88ـ عدله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

88ـ عدله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: عَدْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْدَلَ خَلْقِ اللهِ تعالى في حُقُوقِ اللهِ تعالى، وَفِي حُقُوقِ عِبَادِ اللهِ تعالى، قَوَّامَاً بِالقِسْطِ، مُنْتَصِرَاً للحَقِّ حَيْثُ كَانَ الحَقُّ، مَعَ القَوِيِّ أَو الضَّعِيفِ، مَعَ الغَنِيَّ أَو الفَقِيرِ، مَعَ الكَبِيرِ أَو الصَّغِيرِ، مَعَ الرَّجُلِ أَو المَرْأَةِ، مَعَ الحُرِّ أَو العَبْدِ.

رَوَى الشَّيْخَانِ ـ وَاللَّفْظُ للبُخَارِيِّ ـ عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ.

قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا، تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تعالى».

قَالَ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَلَمَّا كَانَ العَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَطِيبَاً، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ؛

فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ (أَيْ: قَبْلَكُمْ في الأُمَمِ المَاضِيَةِ) أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الـشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتِلْكَ المَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ.

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَأَوْرَدَهُ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ في التَّرْغِيبِ مُخْتَصَرَاً، وَعَزَاهُ للبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ.

فَانْظُرْ أَيُّهَا العَاقِلُ في عَدْلِهِ العَظِيمِ، وَحُكْمِهِ القَوِيمِ! بَلْ كَانَ عَدْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَّسِعُ لِأَعْدْائِهِ، وَيُوصِلُ إِلَيْهِمْ حُقُوقَهُمُ المَشْرُوعَةَ لَهُمْ دُونَ هَوَادَةٍ في ذَلِكَ.

فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، أَنَّهُ كَانَ لِيَهُودِيٍّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطِهِ حَقَّهُ».

فَقَالَ ـ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ ـ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا.

قَالَ: «أَعْطِهِ حَقَّهُ».

قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا ـ فأَعَادَهَا عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَاً ـ (أَيْ: يَقُولُ لَهُ أَعْطِهِ حَقَّهُ).

قَالَ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ ثَلَاثَاً لَمْ يُرَاجَعْ.

فَخَرَجَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ إِلَى السُّوقِ، فَنَزَعَ عِمَامَتَهُ فَاتَّزَرَ بِهَا، وَدَفَعَ إِلَيْهِ البُرْدَ الذي كَانَ مُتَّزِرَاً بِهِ، فَبَاعَهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ ـ أَيْ: إلى اليَهُودِيِّ ـ.

فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَسَأَلَتْهُ ـ أَيْ: سَأَلَتْ ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ عَنْ حَالِهِ، فَأَخْبَرَهَا بِحَاجَتِهِ ـ فَدَفَعَتْ لَهُ بُرْدَاً كَانَ عَلَيْهَا. انْظُرِ الجُزْءَ الثَّانِي مِنَ الإِصَابَةِ: تَرْجَمَةُ عَبْدِ اللِه بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ (أَيْ: دَابَّةٌ ذَاتُ سِنٍّ) مِنَ الإِبِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ (أَيْ: يَطْلُبُ قَضَاءَ حَقِّهِ) وَإِنَّهُ أَغْلَظَ لَهُ في القَوْلِ، حَتَّى هَمَّ بِهِ بَعْضُ القَوْمِ ـ أَيْ: هَمَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِضَرْبِهِ لَمَّا أَغْلَظَ في القَوْلِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَعْرَابِيَّاً ـ كَمَا في رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَه.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ (اتْرُكُوهُ) فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالَاً».

ثُمَّ قَالَ: «أَعْطُوهُ».

فَطَلَبُوا سِنَّهُ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنَّاً فَوْقَهَا (أَيْ: أَحْسَنَ مِنَ السِّنِّ التي لَهُ).

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطُوهُ».

فَقَالَ الرَّجُلُ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللهُ بِكَ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» أَخْرَجَهُ الخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ كَمَا في جَامِعِ الأُصُولِ.

وَلَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُتَحَاكَمُ إِلَيْهِ قَبْلَ البِعْثَةِ أَيْضَاً، لِمَا عَرَفُوهُ مِنْ عَدْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَمَانَتِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ يُتَحَاكَمُ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الإِسْلَامِ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَاللهِ إِنِّي لَأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ وَأَمِينٌ فِي الْأَرْضِ» كَذَا في الشِّفَاءِ وَشُرُوحِهِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 26/ربيع الأول /1440هـ، الموافق: 3/ كانون الأول / 2018م