631ـ خطبة الجمعة: هل هذا الرسول العظيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يؤذى

 

631ـ خطبة الجمعة: هل هذا الرسول العظيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يؤذى؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الحَمْدُ للهِ الذي أَكْرَمَنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ فَكَانَتْ لَنَا سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَبِبِعْثَةِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ العَهْدُ الجَدِيدُ للبَـشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ التي أُخْرِجَتْ مِنْ ظُلُمَاتِ التِّيهِ، وَمِنْ سَرَادِيبِ الشِّرْكِ، وَغِوَايَاتِ الضَّلَالَةِ، إلى رِحَابِ الإِيمَانِ الفَسِيحِ، وَنُورِ الحَقِّ الأَبْلَجِ، الذي حَمَلَ شُعَلَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَقِيَ في سَبِيلِ ذَلِكَ مِنَ الأَذَى وَالعَنَتِ مَا لَقِيَ، حَتَّى دَخَلَ النَّاسُ في دِينِ اللهِ أَفْوَاجَاً، فَحَمَلَ الرِّسَالَةَ، وَبَلَّغَ الأَمَانَةَ، وَجَاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ اليَقِينُ، فَهَدَى اللهُ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ بِهِ مِنَ العَمَى، وَأَخْرَجَ النَّاسَ بِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، وَلَمْ يَزَلْ شَفِيقَاً عَلَى أُمَّتِهِ عَطُوفَاً مُرْيدَاً كُلَّ الخَيْرِ لِأُمَّتِهِ، كَمَا نَعَتَهُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. هَذَا في الدُّنْيَا.

حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ سَعَى دُونَهُمْ وَدَعَا وَشَفَعَ، فَأَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنَ الخَلَائِقِ أُمَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يَدْخُلُهَا قَبْلَهُمْ أَحَدٌ.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا أَسْعَدَ هَذِهِ الأُمَّةَ بِنَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَحْظَاهَا بِـشَرَفِهِ وَبِبَرَكَتِهِ؟

مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ حَقُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ عَظِيمَاً، لِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ آمَنَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُبُّهُ وَطَاعَتُهُ وَنُصْرَتُهُ وَتَعْزِيرُهُ وَتَوْقِيرُهُ، بَلْ لَنْ يَكْمُلَ إِيمَانُ العَبْدِ وَيَسْتَقِرَّ إِيمَانُهُ في قَلْبِهِ حَتَّى تَتَرَبَّعَ مَحَبَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشِ قَلْبِهِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَلْ هَذَا الرَّسُولُ العَظِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُؤْذَى؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ هَذَا الرَّسُولُ العَظِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي كَانَ رَحْمَةً للعَالَمِينَ، وَكَانَ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ شَفِيعُ الخَلَائِقِ جَمِيعَاً يَوْمَ القِيَامَةِ يُؤْذَى بَيْنَ ظَهْرَانَيِ المُسْلِمِينَ؟

إِنَّ إِيذَاءَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، بَلْ مِنْ أَعْظَمِ الكَبَائِرِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابَاً مُهِينَاً﴾. وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. وَلِقَوْلِهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: ﴿قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ يُؤْذِي سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مَلْعُونٌ وَمَطْرُودٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَسَوْفَ يَنْدَمُ نَدَمَاً شَدِيدَاً وَيَعَضُّ عَلَى يَدَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَتَمَنَّى لَو تُسَوَّى بِهِ الأَرْضُ، وَيَتَمَنَّى ﴿لَو يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعَاً ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى﴾.

حُكْمُ سَبِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: ظَاهِرَةٌ قَبِيحَةٌ عِنْدَمَا تَسْمَعُ في بَلَدٍ إِسْلَامِيٍّ، مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي وَيَصُومُ يَشْتُمُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى صَارَ يُسْمَعُ مِنْ شَبَابٍ وَأَطْفَالٍ ـ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ـ.

اعْلَمُوا يَا عِبَادَ اللهِ: بِأَنَّ سَبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَانْتِقَادَهُ، وَالاسْتِخْفَافَ بِهِ، وَالسُّخْرِيَةَ مِنْ شَرِيعَتِهِ، جَرِيمَةٌ كُبْرَى، وَالسَّابُّ المُسْتَخِفُّ مُرْتَدٌّ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِلَا خِلَافٍ.

لِأَنَّ سَبَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَو إِلْحَاقَ عَيْبٍ بِهِ، أَو نَقْصٍ في نَفْسِهِ أَو نَسَبِهِ أَو دِينِهِ، أَو خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ، أَو ازْدِرَاءَهُ، نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الإِيذَاءِ لَهُ.

مَاذَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ سَبَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَارَ مُرْتَدَّاً، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ إِسْلَامَهُ؛ هذا أولاً.

ثانياً: حَبِطَ عَمَلُهُ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

ثالثاً: إِنْ كَانَ حَاجَّاً بَطَلَ حَجُّهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ.

رابعاً: عَلَيْهِ قَضَاءُ آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا وَلَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا.

خامساً: إِذَا كَانَ صَائِمَاً وَسَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَطَلَ صَوْمُهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ صِيَامِ هَذَا اليَوْمِ.

سادساً: إِذَا ذَبَحَ ذَبِيحَةً قَبْلَ أَنْ يُجَدِّدَ إِسْلَامَهُ فَذَبِيحَتُهُ لَا تُؤْكَلُ.

سابعاً: إِذَا كَانَ سَابُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَزَوِّجَاً وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ العَقْدَ عَلَى زَوْجَتِهِ بَعْدَ تَجْدِيدِ إِسْلَامِهِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ رَسُولُ الرُّسُلِ، وَنَبِيُّ الأَنْبِيَاءِ جَمِيعَاً، فَهُوَ القَائِلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيَّاً بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي» رواه الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَالقَائِلُ: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ تعالى إِيذَاءَهُ مَقْرُونَاً بِإِيذَائِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابَاً مُهِينَاً﴾.

كَيْفَ يَكُونُ للبَشَرِيَّةِ جَمِيعَاً، لَا أَقُولُ المُسْلِمِينَ فَقَطْ، بَلِ البَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ؟ كَيْفَ يَكُونُ لَهُم إِيذَاءُ مَنْ أَنْقَذَهُمُ اللهُ تعالى بِهِ مِنَ الهَلَكَةِ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، وَجَعَلَهُ لَهُمْ أَمَانَاً في الدُّنْيَا مِنْ عَذَابِ الاسْتِئْصَالِ، وَفي الآخِرَةِ شَفِيعَاً للبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا لِفَصْلِ القَضَاءِ؟

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حَقَّ الحَيَاءِ مِنْكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 7/ ربيع الثاني /1440هـ، الموافق: 14/ كانون الأول / 2018م