90ـ رحمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالأهل والعيال

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

90ـ رحمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالأهل والعيال

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: رَحْمَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالأَهْلِ وَالعِيَالِ:

رَوَى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعَاً لَهُ فِي عَوَالِي المَدِينَةِ، فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ، فَيَدْخُلُ الْبَيْتَ وَإِنَّهُ لَيُدَّخَنُ (أَيْ: يَعْلُو مِنْهُ الدُّخَانُ) وَكَانَ ظِئْرُهُ قَيْنَاً، فَيَأْخُذُهُ (أَيْ: فَيَأْخُذُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ المُسْتَرْضِعَ) فَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ.

قَالَ عَمْرٌو: فَلَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِي، وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثَّدْيِ (أَيْ: في سِنِّ رَضَاعِ الثَّدْيِ) وَإِنَّ لَهُ لَظِئْرَيْنِ (أَيْ: مُرْضِعَتَيْنِ) تُكَمِّلَانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ (أَيْ: يُتِمَّانِ لَهُ رَضَاعَ سَنَتَيْنِ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ وَلَهُ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرَاً أَو سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرَاً. اهـ. مِنْ شَرْحِ النَّوَوِيِّ.

وَفَسَّرَ القَيْنَ في النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ: الحَدَّادُ وَالصَّائِغُ.

وَمِنْ رَحْمَتِهِ بِأَهْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يُعَاوِنُهُمْ في الأُمُورِ البَيْتِيَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الأَسْوَدَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟

قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ.

فَمَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَبَابِرَةِ الرِّجَالِ، بَلْ كَثِيرَاً مَا كَانَ يَخْدِمُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ».

رَحْمَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالصِّبْيَانِ:

رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَدْخُلُ الصَّلَاةَ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ في صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ».

وَمِنْ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالصِّبْيَانِ: أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ رُؤُوسَهُمْ وَيُقَبِّلُهُمْ:

كَمَا جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسَاً.

فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدَاً.

فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ».

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ»؟!.

يَعْنِي: أَنَّ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ رَحْمَةٌ للصِّبْيَانِ حَمَلَتْهُ عَلَى أَنْ يُقَبِّلَهُمْ، وَمَنْ نُزِعَتِ الرَّحْمَةُ مِنْ قَلْبِهِ أَمْسَكَ عَنْ تَقْبِيلِهِمْ.

وَرَوَى الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ».

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ: «الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ».

وَكَانَ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ: «ادْعِي لِيَ ابْنَيَّ» فَيَشُمُّهُمَا وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَمِنْ رَحْمَتِهِ بِالصِّبْيَانِ وَحُبِّهِ لِإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُتِيَ بِأَوَّلِ مَا يُدْرَكُ مِنَ الفَاكِهَةِ يُعْطِيهِ لِمَنْ يَكُونُ في المَجْلِسِ مِنَ الصِّبْيَانِ:

كَمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِبَاكُورَةِ الثَّمَرَةِ (أَيْ: أَوَّلِهَا) وَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ ثُمَّ عَلَى شَفَتَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ كَمَا أَرَيْتَنَا أَوَّلَهُ فَأَرِنَا آخِرَهُ» ثُمَّ يُعْطِيهِ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ الصِّبْيَانِ. رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ الحَافِظُ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ، وَرِجَالُ الصَّغِيرِ رِجَالُ الصَّحِيحِ. اهـ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنْ رَحْمَتِهِ: دَمْعُ عَيْنَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِفِرَاقِ وَلَدِهِ إِبْرَاهِيمِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ (أَيْ: في حَالَةِ الاحْتِضَارِ) فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ (تَدْمَعَانِ).

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ».

ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَرَوَى بَعْضَهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ إِلَيْهِ ابْنُ ابْنَتِهِ وَهُوَ في المَوْتِ، فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ!

قَال: «هَذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَلَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا الرُّحَمَاءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 10/ربيع الثاني /1440هـ، الموافق: 17/ كانون الأول / 2018م