142مع الصحابة وآل البيت : «ائتُونِي العَشِيَّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمُ القَوِيَّ الأَمِينَ»

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

142ـ «ائتُونِي العَشِيَّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمُ القَوِيَّ الأَمِينَ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ التي هِيَ بَيْنَ مَرْحَلَةِ الضَّعْفَيْنِ مَرْحَلَةٌ عَظِيمَةٌ وَخَطِيرَةٌ، إِنِ اسْتُغِلَّتْ في الخَيْرِ وَالطَّاعَةِ وَالقُرُبَاتِ فَيَا فَوْزَ مَنْ وُفِّقَ لِذَلِكَ ـ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ ـ.

وَإِنِ اسْتُغِلَّتْ في الشَّرِّ وَالمَعْصِيَةِ وَالبُعْدِ عَنِ اللهِ تعالى وَاتِّبَاعِ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ فَيَا خَيْبَةَ مَنْ ضَيَّعَهَا في ذَلِكَ، حَتَّى وَإِنْ تَابَ في شَيْخُوخَتِهِ، لِأَنَّ هُنَاكَ فَارِقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ شَابٍّ نَشَأَ في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبَيْنَ شَائِبٍ تَابَ إلى اللهِ تعالى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَى شَبَابِنَا اليَوْمَ أَنْ يَسْتَغِلُّوا فَتْرَةَ الشَّبَابِ في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وفي خِدْمَةِ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ يَتْرُكُوا أَثَرَاً صَالِحَاً لِأَنْفُسِهِمْ وَلِمُجْتَمَعِهِمْ وَلِبَلَدِهِمْ، لِأَنَّ تَارِيخَ كُلِّ وَاحِدٍ يُحْفَظُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، إِنْ خيْرَاً فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرَّاً فَشَرٌّ.

عَلَى شَبَابِنَا اليَوْمَ أَنْ يَسْتَغِلُّوا أَوْقَاتِهِمْ في الشَّيْءِ النَّافِعِ لِدِينِهِمْ وَلِدُنْيَاهُمْ وَلِأَنْفُسِهِمْ وَلِمُجْتَمَعِهِمْ، حَتَّى لَا تَذْهَبَ الأَوْقَاتُ سُدَىً، وَعَلَيْهِمْ طَلَبُ المَعَالِي في جَمِيعِ الخَيْرَاتِ، وَالتَّرَفُّعُ وَالتَّنَزُّهُ عَنِ المُوبِقَاتِ وَالمُهْلِكَاتِ وَسَفَاسِفِ الأُمُورِ.

«لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ»:

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَيَا شَابَّاتِهَا، خُذُوا هَذَا الشَّابَّ مِنْ أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةً وَقُدْوَةً لَكُمْ، وَانْظُرُوا إلى شَرَفِ هَذَا اللَّقَبِ الذي لَقَّبَهُ إِيَّاهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ».

كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَضِيءَ الوَجْهِ، بَهِيَّ الطَّلْعَةِ، نَحِيلَ الجِسْمِ، طَوِيلَ القَامَةِ، خَفِيفَ العَارِضَيْنِ، تَرْتَاحُ العَيْنُ لِمَرْآهُ، وَتَأْنَسُ النَّفْسُ لِلُقْيَاهُ، وَيَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ الفُؤَادُ.

وَكَانَ إلى ذَلِكَ رَقِيقَ الحَاشِيَةِ، جَمَّ التَّوَاضُعِ، شَدِيدَ الحَيَاءِ، لَكِنَّهُ كَانَ إِذَا حَزَبَ الأَمْرُ وَجَدَّ الجِدُّ يَغْدُو كَأَنَّهُ اللَّيْثُ عَادِيَاً؛ فَهُوَ يُشْبِهُ نَصْلَ السَّيْفِ رَوْنَقَاً وَبَهَاءً، وَيَحْكِيهِ حِدَّةً وَمَضَاءً.

ذَلِكُمْ هُوَ أَمِينُ أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ، عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الجَرَّاحِ الفِهْرِيُّ القُرَشِيُّ، المُكَنَّى بِأَبِي عُبَيْدَةَ.

نَعَتَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: ثَلَاثَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَصْبَحُ النَّاسِ وُجُوهَاً، وَأَحْسَنُهَا أَخْلَاقَاً، وَأَثْبَتُهَا حَيَاءً، إِنْ حَدَّثُوكَ لَمْ يَكْذِبُوكَ، وَإِنْ حَدَّثْتَهُمْ لَمْ يُكَذِّبُوكَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ إلى الإِسْلَامِ، فَقَدْ أَسْلَمَ في اليَوْمِ التَّالِي لِإِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ عَلَى يَدَيِ الصِّدِّيقِ نَفْسِهِ، فَمَضَى بِهِ وَبِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَبِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَبِالأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ، إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْلَنُوا بَيْنَ يَدَيْهِ كَلِمَةَ الحَقِّ، فَكَانُوا القَوَاعِدَ الأُولَى التي أُقِيمَ عَلَيْهَا صَرْحُ الإِسْلَامِ العَظِيمُ.

«ائتُونِي العَشِيَّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمُ القَوِيَّ الأَمِينَ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَوِيَّاً أَمِينَاً عَلَى دِينِهِ، وَهُوَ الذي نَزَلَ فِيهِ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾.

روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ قَالَ: جَعَلَ أَبُو أَبِي عُبَيْدَةَ يَتَصَدَّى لِأَبِي عُبَيْدَةَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَجَعَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَحِيدُ عَنْهُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ، قَصَدَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَتَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَ قَتَلَ أَبَاهُ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الشَّخْصِيَّةُ العَظِيمَةُ عَرَفَتِ الغَايَةَ مِنْ خَلْقِهَا، وَالهَدَفَ الذي تُرِيدُ الوُصُولَ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَرْضَاةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَزَكَّى نَفْسَهُ وَرَبَّاهَا، حَتَّى نَالَ شَرَفَ الوَصْفِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ القَوِيُّ الأَمِينُ.

جَاءَ في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ، عِنْدَمَا جَاءَ وَفْدٌ مِنَ النَّصَارَى إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَادَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُلَاعَنَتَهُمْ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئَاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضَاً أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.

فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، دَعْنَا نَنْظُرْ فِي أَمْرِنَا، ثُمَّ نَأْتِيكَ بِمَا نُرِيدُ أَنْ نَفْعَلَ فِيمَا دَعَوْتنَا إلَيْهِ.

فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، ثُمَّ خَلَوا بِالْعَاقِبِ، وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ المَسِيحِ، مَاذَا تَرَى؟

فَقَالَ: وَاللهِ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى لَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدَاً لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالفَصْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لَاعَنَ قَوْمٌ نَبِيَّاً قَطُّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ، وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ، وَإِنَّهُ لَلِاسْتِئْصَالُ مِنْكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَبَيْتُمْ إلَّا إلْفَ دِينِكُمْ، وَالإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ، فَوَادِعُوا الرَّجُلَ، ثُمَّ انْصَرِفُوا إلَى بِلَادِكُمْ.

فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قَدْ رَأَيْنَا أَلَّا نُلَاعِنَكَ، وَأَنْ نَتْرُكَكَ عَلَى دِينِكَ وَنَرْجِعَ عَلَى دِينِنَا، وَلَكِنِ ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلَاً مِنْ أَصْحَابِكَ تَرْضَاهُ لَنَا، يَحْكُمْ بَيْنَنَا فِي أَشْيَاءَ اخْتَلَفْنَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فَإِنَّكُمْ عِنْدَنَا رِضَاً.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ائْتُونِي الْعَشِيَّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمُ الْقَوِيَّ الْأَمِينَ».

قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: مَا أَحْبَبْتُ الإِمَارَةَ قَطُّ حُبِّي إيَّاهَا يَوْمئِذٍ، رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهَا، فَرُحْتُ إلَى الظُّهْرِ مُهَجِّرَاً، فَلَمَّا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ سَلَّمَ، ثُمَّ نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلْتُ أَتَطَاوَلُ لَهُ لِيَرَانِي، فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِسُ بِبَصَرِهِ حَتَّى رَأَى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: «اخْرُجْ مَعَهُمْ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ».

قَالَ عُمَرُ: فَذَهَبَ بِهَا أَبُو عُبَيْدَةَ.

يُرِيدُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَنْ لَيْسَ بِبَاقٍ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَخْصِيَّاتٌ عَظِيمَةٌ مَا عَرَفَ التَّارِيخُ مِثْلَهَا، شَبَابٌ ضَرَبُوا أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ في الكَمَالِ لِكُلِّ الشَّبَابِ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ.

جَاءَ في كِتَابِ حَيَاة الصَّحَابَةِ: أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ كَتَبَ إلى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَيْثُ سَمِعَ بِالطَّاعُونِ الذي أَخَذَ النَّاسَ بِالشَّامِ: إِنِّي بَدَتْ لِي حَاجَةٌ إِلَيْكَ فَلَا غِنَى لِي عَنْكَ فِيهَا، فَإِنْ أَتَاكَ كِتَابِي لَيْلَاً فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ أَنْ تُصَبِّحَ حَتَّى تَرْكَبَ إِلَيَّ، وَإِنْ أَتَاكَ نَهَارَاً فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ أَنْ تُمْسِي حَتَّى تَرْكَبَ إِلَيَّ.

فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَدْ عَلِمْتُ حَاجَةَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ التي عَرَضَتْ، وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَنْ لَيْسَ بِبَاقٍ.

فَكَتَبَ إِِِلَيْهِ: إِنِّي في جُنْدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ لَنْ أَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْهُمْ، وَإِنِّي قَدْ عَلِمْتُ حَاجَتَكَ التي عَرَضَتْ لَكَ، وَإِنَّكَ تَسْتَبْقِي مَنْ لَيْسَ بِبَاقٍ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَحَلِّلْنِي مِنْ عَزْمِكَ، وَائْذَنْ لِي في الجلُوسِ.

فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كِتَابَهُ فَاضَتْ عَيْنَاهُ وَبَكَى.

فَقَالَ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ؟

قَالَ: لَا، وَكَأَنْ قَدْ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ، اعْلَمُوا أَنَّ فَتْرَةَ الشَّبَابِ مِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى العَظِيمَةِ، وَهِيَ مَرْحَلَةٌ عَظِيمَةٌ يَنْبَغِي أَنْ تُصَانَ عَمَّا لَا يَنْبَغِي مِنَ الأَخْلَاقِ وَالأَعْمَالِ، وَيَنْبَغِي عَلَى الشَّابِّ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيمَا يُرْضِي مَوْلَاهُ، وَيَجْعَلَ لَهُ ذِكْرَاً صَالِحَاً بَعْدَ مَوْتِهِ، وَحَتَّى يَكُونَ في ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ شَبَابَنَا وَشَابَّاتِنَا إلى مَا يُرْضِيكَ عَنَّا وَعَنْهُمْ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الخميس: 13/ ربيع الثاني /1440هـ، الموافق: 20/ كانون الأول / 2018م