96ـ مهابته العظيمة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

96ـ مهابته العظيمة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: مَهَابَتُهُ العَظِيمَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَفَخَامَتُهُ الكَرِيمَةُ:

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَظِيمَ المَهَابَةِ، قَدْ تَوَّجَهُ اللهُ تعالى تَاجَ العِزَّةِ وَالكَرَامَةِ، وَكَسَاهُ حُلَّةَ الفَخَامَةِ:

رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ بْنِ أَبِي هَالَةَ، يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَخْمَاً مُفَخَّمَاً، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ.

وَقَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في وَصْفِهِ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ.

وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِمْعَانَ النَّظَرِ فِيهِ، لِقُوَّةِ مَهَابَتِهِ وَمَزِيدِ وَقَارِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَصِفْهُ إِلَّا صِغَارُهُمْ، أَو مَنْ كَانَ في تَرْبِيَتِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، كَهِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ، وَسَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَيِدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صُحْبَةً طَوِيلَةً، وَسَمِعْتُ مِنْهُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً، وَحَفِظْتُ عَنْهُ أَلْفَ مَثَلٍ، وَمَعَ ذَلِكَ مَا مَلَأْتُ عَيْنَيَّ مِنْهُ قَطُّ، حَيَاءً مِنْهُ وَتَعْظِيمَاً لَهُ، وَلَوْ قِيلَ لِي صِفْهُ: لَمَا قَدَرْتُ.

وَمِنْ عَظِيمِ مَهَابَتِهِ وَكَمَالِ وَقَارِهِ: كَانَ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَابَهُ، وَرُبَّمَا أَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ، مِنْ قُوَّةِ الهَيْبَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُبَاسِطُهُمْ وَيُلَاطِفُهُمْ لِيَسْكُنَ رَوْعُهُمْ:

رَوَى ابْنُ مَاجَه وَالحَاكِمُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَامَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ وَمَهَابَةٌ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَأَنَا لَسْتُ بِمَلِكٍ وَلَا جَبَّارٍ، وَإِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ بِمَكَّةَ». (القَدِيدُ هُوَ اللَّحْمُ يُقْطَعُ وَيُجْعَلُ في الشَّمْسِ حَتَّى يَجِفَّ، وَكَانَتْ عَادَةَ العَرْبِ أَكْلُهُ، فَكَنَّى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ عَنْ عَدَمِ تَكَبُّرِهِ وَتَجَبُّرِهِ).

فَنَطَقَ الرَّجُلُ بِحَاجَتِهِ (أَيْ: نَطَقَ بِحَاجَتِهِ حِينَ رَأَى تَوَاضُعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسَكَنَ رَوْعُهُ).

فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، أَلَا فَتَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ، وَكُونُوا ـ عِبَادَ اللهِ ـ إِخْوَانَاً».

وَعَنْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخرَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَخَشِّعَاً في الجِلْسَةِ وَهُوَ قَاعِدٌ القُرْفُصَاءَ، أُرْعِدْتُ مِنَ الفَرَقِ (أَيْ: الخَوْفِ).

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُرْعِدَتِ الْمِسْكِينَةُ.

قَالَتْ قَيْلَةُ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيَّ وَأَنَا عِنْدَ ظَهْرِهِ: «يَا مِسْكِينَةُ، عَلَيْكِ السَّكِينَةُ».

فَلَمَّا قَالَهَا أَذْهَبَ اللهُ مَا كَانَ دَخَلَ قَلْبِيَ مِنَ الرُّعْبِ.

وَفِي هَذِهِ الوَقَائِعِ مَعَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى قُوَّةِ مَهَابَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنِّي لِأَضْرِبُ غُلَامَاً لِي (أَيْ: يَـضْرِبُ عَبْدَاً مَمْلُوكَاً لَهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ أَذْنَبَ مَعَهُ) إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَاً خَلْفِي: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ.

فَجَعَلْتُ لَا أَلْتَفِتْ إِلَيْهِ مِنَ الْغَضَبِ، حَتَّى غَشِيَنِي، فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ السَّوْطُ مِنْ يَدِي مِنْ هَيْبَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ، للهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا».

فَقُلْتُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لَا أَضْرِبُ غُلَامَاً لِي بَعْدَهَا أَبَدَاً.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ تعالى.

فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ ـ أَوْ: «لَمَسَّتْكَ النَّارُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَعَنْ عَنْ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ، امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَعَنْهُ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقْنَ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ».

قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ (أَيْ: قَلِيلُ المَالِ) وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنِّي (أَيْ: دَفَعْتُهَا لَكُمْ) وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ.

فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: بَلِ ائْتِيهِ أَنْتِ.

قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَاجَتِي حَاجَتُهَا ـ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ المَهَابَةُ ـ فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلَانِكَ: أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا؟ (أَيْ: في تَرْبِيَتِهِمَا) وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ.

فَدَخَلَ بِلَالٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هُمَا؟».

فَقَالَ: امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّ الزَّيَانِبِ؟».

قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللهِ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 15/جمادى الأولى /1440هـ، الموافق: 21/ كانون الثاني / 2019م