65ـ استماعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى حديث الزوجات

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

65ـ استماعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى حديث الزوجات

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: اسْتِمَاعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى حَدِيثِ الزَّوْجَاتِ بِالمِلْحِ وَالفُكَاهَاتِ تَأْنِيسَاً لَهُنَّ وَمُلَاطَفَةً: رَوَى الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ ـ وَاللَّفْظُ لَهُ ـ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: جَلَسَتْ إِحْدَى عَـشْرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئَاً (أَيْ: عَلَى أَنْ لَا يُخْفِينَ شَيْئَاً مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ: مَدْحَاً أَو ذَمَّاً، بَلْ يَذْكُرْنَ جَمِيعَ ذَلِكَ).

قَالَتِ الْأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى، وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ (تَعْنِي: أَنَّهَا تُشْبِهُ زَوْجَهَا في رَدَاءَتِهِ بِلَحْمِ جَمَلٍ غَثٍّ ـ أَيْ: شَدِيدِ الهُزَالِ ـ كَائِنٌ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ ـ أَيْ: صَعْبٌ الوُصُولُ إِلَيْهِ ـ وَالمَقْصُودُ: أَنَّ زَوْجَهَا مُتَكَبِّرٌ سَيِّءُ الخُلُقِ، لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ، وَلَا يَنْفَعُ زَوْجَتَهُ في عِـشْرَةٍ وَلَا في غَيْرِهَا).

قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ (أَيْ: لَا أَنْـشُرُ وَلَا أُظْهِرُ خَبَرَهُ، ثُمَّ عَلَّلَتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا: إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، أَيْ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَتْرُكَهُ، يَعْنِي: أَنَّهَا تَخَافُ مِنْ ذِكْرِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الشِّقَاقُ وَالفِرَاقُ، وَضَيَاعُ الأَطْفَالِ، وَقِيلَ: المَعْنَى إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ في خَبَرِهِ، وَالمُرَادُ بِالعَجَرِ وَالبَجَرِ: عُيُوبَهُ الظَّاهِرَةَ وَالخَفِيَّةَ).

قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ (هُوَ السَّيِّءُ الخُلُقُ السَّفِيهُ) إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ (إِنْ ذَكَرْتُ عُيُوبَهُ طَلَّقَنِي، وَإِنْ سَكَتُّ عَنْهَا عَلَّقَنِي فَتَرَكَنِي لَا عَزْبَاءَ وَلَا مُزَوَّجَةً).

قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ (تِهَامَةَ: هِيَ مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الأَغْوَارِ، وَالمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنْ تَصِفَ زَوْجَهَا بِكَمَالِ الاعْتِدَالِ في أُمُورِهِ، وَسُهُولَةِ أَخْلَاقِهِ ـ كَمَا فِي حَاشِيَةِ البَيْجُورِيِّ) لَا حَرَّ وَلَا قُرَّ، وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ (لَيْسَ فِيهِ حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ مُفْرِطٌ، وَلَا أَخَافُ لَهُ غَائِلَةً لِكَرَمِ أَخْلَاقِهِ وَلَا يَسْأَمُنِي وَيَمَلُّ صُحْبَتِي).

قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ (تَعْنِي أَنَّهُ كَالأَسَدِ في الحُرُوبِ، في قُوتِهِ وَشَجَاعَتِهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ، أَيْ: عَمَّا عَلِمَ في بَيْتِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَغَيْرِهِمَا، لِجُودِهِ وَكَرَمِهِ، انْظُرْ حَاشِيَةَ البَيْجُورِيِّ).

قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ (أَيْ: إِنْ أَكَلَ أَو شَرِبَ لَمْ يَبْقَ بَقِيَّةٌ لِعِيَالِهِ، وَلَا يَتَفَقَّدُ حَالَ أَهْلِهِ إِذَا مَرِضْنَ أَو اشْتَكَيْنَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، كَمَا في حَاشِيَةِ البَيْجُورِيِّ).

قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ ـ أَوْ عَيَايَاءُ ـ طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ، أَوْ جَمَعَ كُلَّاً لَكِ (عَيَايَاء: أَيْ: عَاجِزٌ عَنْ إِحْكَامِ أُمُورِهِ وَتَدْبِيرِهَا، غَيَايَاءُ: ذُو ضَلَالَةٍ وَغَيٍّ، طَبَاقَاءُ: أَحْمَقُ، إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمُورُ، فَلَا يَهْتَدِي لَهَا، شَجَّكِ: أَيْ: إِنْ ضَرَبَكِ جَرَحَكِ، أَو فَلَّكِ: أَيْ: كَسَرَكِ، أَو جَمَعَهُمَا لَكِ).

قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ، وَالمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ (فَهِيَ تَمْدَحُهُ بِأَنَّ مَسَّهُ كَمَسِّ الأَرْنَبِ في اللِّينِ وَالنُّعُومَةِ، وَبِأَنَّهُ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ كَرِيحِ الزَّرْنَبِ: وَهُوَ نَوْعُ نَبَاتٍ رِائِحَتُهُ طَيِّبَةٌ).

قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ (كِنَايَةٌ عَنْ عُلُوِّ حَسَبِهِ وَشَرَفِ نَسَبِهِ).

طَوِيلُ النِّجَادِ (تَصِفُهُ بِطُولِ القَامَةِ، وَالنِّجَادُ: حَمَائِلُ السَّيْفِ، فَالطَّوِيلُ يَحْتَاجُ إلى طُولِ حَمَائِلِ سَيْفِهِ، وَالعَرَبُ تَمْدَحُ بِذَلِكَ).

عَظِيمُ الرَّمَادِ (تَصِفُهُ بِالجُودِ، وَكَثْرَةِ الضِّيَافَةِ مِنَ اللُّحُومِ وَالخُبْزِ، فَيَكْثُرُ وَقُودُهُ فَيَكْثُرُ رَمَادُهُ).

قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ (النَّادِي وَالنَّدِيُّ: مَجْلِسُ القَوْمِ، فَهِيَ تَصِفُ زَوْجَهَا بِالكَرَمِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَرِّبُ البَيْتَ مِنَ النَّادِي إِلَّا مَنْ صِفَتُهُ الكَرَمُ، كَمَا في شَرْحِ النَّوَوِيِّ).

قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ المَبَارِكِ، قَلِيلَاتُ المَسَارِحِ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ (تَعْنِي: أَنَّ لَهُ إِبِلَاً كَثِيرَاً، فَهِيَ بَارِكَةٌ بِفِنَائِهِ، لَا يُوَجِّهُهَا تَـسْرَحُ إِلَّا قَلِيلَاً قَدْرَ الضَّرُورَةِ، فَإِذَا نَزَلَ بِهِ الضِّيفَانُ كَانَتِ الإِبِلُ حَاضِرَةً، فَيُقْرِيهِمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَلُحُومِهَا؛ وَيَضْرِبُ لَهُمُ المِزْهَرَ وَالمَعَازِفَ، فَإِذَا سَمِعَتِ الإِبِلُ أَصْوَاتَ المِزْهَرِ عَلِمَتْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُ الضِّيفَانُ وَأَنَّهُنَّ مَنْحُورَاتٍ هَوَالِكُ. اهـ. مِنْ شَرْحِ النَّوَوِيِّ).

قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ (قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: وَمَعْنَاهُ حَلَّانِي قُرْطَةً وَشَنُوفَاً، فَهِيَ تَنُوسُ، أَيْ: تَتَحَرَّكُ لِكَثْرَتِهَا) وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ (المَعْنَى: أَنَّهَا سَمُنَتْ عِنْدَهُ وَامْتَلَأَتْ شَحْمَاً) وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي (فَرَّحَنِي فَفَرِحْتُ، وَعَظَّمَنِي فَعَظُمَتْ عِنْدِي نَـفْسِي) وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ (الصَّهِيلُ: صَوْتُ الخَيْلِ، وَالأَطِيطُ: صَوْتُ الإِبِلِ، وَالمَعْنَى: أَنَّهُ وَجَدَهَا في أَهْلِ غَنَمٍ قَلِيلَةٍ، فَهُمْ في ضِيقِ عَيْشٍ، فَحَمَلَهَا إلى أَهْلِ خَيْلٍ وَإِبِلٍ وَبَقَرٍ، تَدُوسُ الزَّرْعَ في بَيْدَرِهِ لتِخُرْجِ الحَبَّ مِنَ السُّنْبُلِ. وَمُنَقٍّ: بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ القَافِ، وَهُوَ الذي يُنَقِّي الحَبَّ وَيُنَظِّفُهُ مِنَ التِّبِنِ بَعْدَ الدَّوْسِ، وَرُوِيَ مُنِقٍّ بِكَسْرِ النُّونِ مِنْ نَقَّتِ الدَّجَاجَةُ إِذَا صَوَتَتْ، كَمَا في حَاشِيَةِ البَيْجُورِيِّ عَلَى الشَّمَائِلِ)

فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ (لَا يُقَبِّحُ قَوْلِي) وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ (أَيْ: أَنَّهَا مَكْفِيَّةٌ بِمَنْ يَخْدِمُهَا فَتَنَامُ) وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ (وَالمَعْنَى: تَشْرَبُ حَتَّى تُرْوَى، وَتَدَعُ الشَّرَابَ مِنْ شِدَّةِ الرِّيِّ).

أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ (العُكُومُ: الأَعْدَالُ، جَمْعُ عُكُمٍ، وَالرَّدَاحُ: العَظِيمَةُ، وَالمَعْنَى: أَنَّ أَعْدَالَهَا وَأَوْعِيَةُ طَعَامِهَا عَظِيمَةٌ ثَقِيلَةٌ).

وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ (أَيْ: وَاسِعٌ وَفَسِيحٌ).

ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ (مُرَادُهَا أَنَّهُ مُهَفْهَفٌ خَفِيفُ اللَّحْمِ) وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ (قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: الجَفْرَةُ بِفَتْحِ الجِيمِ، الأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ المَعْزِ، وَقِيلَ مِنَ الضَّأْنِ، وَهِيَ مَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا، وَالمُرَادُ: أَنَّهُ قَلِيلُ الأَكْلِ؛ وَالعَرَبُ تَمْدَحُ بِهِ. اهـ).

بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا (أَيْ: مُمْتَلِئَةُ الجِسْمِ سَمِينَتُهُ) وَغَيْظُ جَارَتِهَا (أَيْ: تَغِيظُ ضُرَّتَهَا مِنْ حُسْنِهَا وَجَمَالِهَا وَعِفَّتِهَا وَأَدَبِهَا).

جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثَاً (أَيْ: لَا تُشِيعُ حَدِيثَنَا، بَلْ تَكْتُمُ سِرَّنَا وَحَدِيثَنَا كُلَّهُ).

وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثَاً (المِيرَةُ هِيَ الطَّعَامُ المَجْلُوبُ، وَمَعْنَاهُ: لَا تُفْسِدُهُ وَتُفَرِّقُهُ، وَلَا تَذْهَبُ بِهِ، فَهِيَ أَمِينَةٌ).

وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشَاً (وَالمَعْنَى: أَنَّهَا مُصْلِحَةٌ للبَيْتِ مُعْتَنِيَةٌ بِتَنْظِيفِهِ).

قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ (الأَوْطَابُ: أَسْقِيَةُ اللَّبَنِ، وَتُمْخَضُ: تُحَرَّكُ لِاسْتِخْرَاجِ الزُّبْدِ مِنَ اللَّبَنِ).

فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ (مَعْنَاهُ إِنَّهَا ذَاتُ كِفْلٍ عَظِيمٍ، فَإِذَا اسْتَلْقَتْ على قَفَاهَا نَتَأَ الكِفْلُ بِهَا مِنَ الأَرْضِ حَتَّى تَصِيرَ تَحْتَهَا فَجْوَةٌ يَجْرِي فِيهَا الرُّمَّانُ) فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا.

فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلَاً سَرِيَّاً (أَيْ: مِنْ سَرَاةِ النَّاسِ وَأَشْرَافِهِمْ).

رَكِبَ شَرِيَّاً (أَيْ: فَرَسَاً يَسْتَشْرِي في سَيْرِهِ، وَيَمْضِي بِلَا فُتُورٍ).

وَأَخَذَ خَطِّيَّاً (الخَطِّيُّ: الرُّمْحُ).

وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمَاً ثَرِيَّاً (أَيْ: كَثِيرَةً، مِنَ: الثَّرْوَةِ في المَالِ، وَهِيَ كَثْرَتُهُ).

وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجَاً (أَيْ: مِنْ كُلِّ مَا يَرُوحُ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ، أَعْطَاهَا زَوْجَاً: أَيْ: اثْنَيْنِ، أَو صِنْفَاً كَثِيرَاً).

قَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ (أَيْ: أَعْطِيهِمْ وَأَفْضِلِي عَلَيْهِمْ وَصِلِيهِمْ) فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِي مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ.

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ (هُوَ تَطْيِيبٌ لِنَفْسِهَا وَإِيضَاحٌ لِحُسْنِ عِشْرَتِهِ إِيَّاهَا)».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَجَاءَ في رِوَايَةِ الهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ، في الأُلْفَةِ وَالوَفَاءِ، لَا في الفُرْقَةِ وَالجَلَاءِ».

وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ في رِوَايَتِهِ: «إِلَّا أَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَإِنِّي لَا أُطَلِّقُكِ».

وَزَادَ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: يَا رَسُولَ الله، بَلْ أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي زَرْعٍ.

وَفِي رِوَايَةَ النَّسَائِيِّ: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ الذي ابْتَدَأَ الحَدِيثَ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ».

فَقَالَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ كَانَ أَبُو زَرْعٍ؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اجْتَمَعَ نِسَاءٌ . . . » إِلَى تَمَامِ الحَدِيثِ.

فَانْظُرْ يَا أَخِي في حُسْنِ عِشْرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَرِيمِ خُلُقِهِ مَعَ أَهْلِهِ، حَيْثُ أَصْغَى إلى حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَهِيَ تُحَدِّثُهُ عَنْ قِصَّةٍ وَقَعَتْ في الجَاهِلِيَّةِ، مِنْ نِسَاءٍ اجْتَمَعْنَ وَتَعَاقَدْنَ عَلَى أَنْ تُخْبِرَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَنْ مَوَاقِفِ زَوْجِهَا مَعَهَا، مِنْ حَيْثُ الأَخْلَاقُ وَالمُعَامَلَةُ وَالمُعَاشَرَةُ!.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 27/ذو الحجة/1439هـ، الموافق: 7/ أيلول / 2018م