68ـ إِكْرَامُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِرَامَ القَوْمِ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

68ـ إِكْرَامُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِرَامَ القَوْمِ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِكْرَامُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كِرَامَ القَوْمِ:

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْرِمُ كَرِيمَ القَوْمِ وَيَقُولُ: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» قَالَ في المَقَاصِدِ الحَسَنَةِ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعَاً، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلَاً بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، كَمَا في كَشْفِ الخَفَاءِ وَغَيْرِهِ.

رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَيْتُهُ لِأُبَايِعَهُ، فَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ؟».

قُلْتُ: جِئْتُ لِأُسْلِمَ.

فَأَلْقَى إِلَيَّ كِسَاءَهُ وَقَالَ: «إِذَا جَاءَكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ».

وَفِي رِوَايَةِ البَزَّارِ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَبَسَطَ إِلَيَّ رِدَاءَهُ وَقَالَ: «اجْلِسْ عَلَى هَذَا».

فَقُلْتُ: أَكْرَمَكَ اللهُ كَمَا أَكْرَمْتَنِي . . . وَذَكَرَ الحَدِيثَ.

وَرَوَى الحَاكِمُ بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَعْضَ بُيُوتِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ حَتَّى غَصَّ المَجْلِسُ بِأَهْلِهِ وَامْتَلَأَ، فَجَاءَ جَرِيرٌ البُجَلِيُّ فَلَمْ يَجِدْ مَكَانَاً، فَقَعَدَ عَلَى البَابِ.

فَنَزَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رِدَاءَهُ وَأَلْقَاهُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَهُ جَرِيرٌ فَأَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ وَجَعَلَ يُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي، وَرَمَى بِهِ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَجْلِسَ عَلَى ثَوْبِكَ، أَكْرَمَكَ اللهُ كَمَا أَكْرَمْتَنِي.

فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمِينَاً وَشِمَالَاً وَقَالَ: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» وَبِتَعَدُّدِ هَذِهِ الطُّرُقِ يَتَقَوَّى الحَدِيثُ، وَإِنْ كَانَ في مُفْرَدَاتِهَا ضَعْفٌ، كَمَا في المَقَاصِدِ الحَسَنَةِ.

وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَلْقَى إِلَيْهِ وِسَادَةً.

فَقَالَ عَدِيٌّ: أَشْهَدُ أَنَّكَ لَا تَبْغِي عُلُوَّاً في الأَرْضِ وَلَا فَسَادَاً.

وَأَسْلَمَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» رَوَاهُ العَسْكَرِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، كَمَا في المَقَاصِدِ الحَسَنَةِ، وَكَشْفِ الخَفَاءِ.

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في  مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِي؛ فَذَكَرَ حَدِيثَاً فِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَكْرَمَهُ وَأَجْلَسَهُ وَكَسَاهُ رِدَاءَهُ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ عَصَاهُ، وَأَنَّهُ أَسْلَمَ.

فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: إِنَّا نَرَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَكْرَمْتَ هَذَا الرَّجُلِ؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا شَرِيفُ قَوْمِهِ، وَإِذَا أَتَاكُمْ شَرِيفُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» عَزَاهُ في المَقَاصِدِ إِلَى الدولابي.

وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ في حَدِيثِ: «وَإِذَا كَانَتْ عِنْدَكَ كَرِيمَةُ قَوْمٍ فَأَكْرِمْهَا». انْظُرْ كَشْفَ الخَفَاءِ، وَفِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ تَنْبِيهٌ للأَزْوَاجِ أَنْ يَحْتَفِظُوا بِكَرَامَةِ زَوْجَاتِهِنَّ، وَعَلَى الأَخَصِّ بَنَاتِ الكِرَامِ، وَتَقَدَّمَ الحَدِيثُ الذي رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلَّا كَرِيمٌ، وَلَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنْ ذَلِكَ: إِكْرَامُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَمِيرِ وَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ وَإِجْلَاسُهُ عَنْ يَمِينِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِإِكْرَامِ الوَفْدِ:

فَعَنْ شِهَابِ بْنِ عَبَّادٍ، أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَهُمْ يَقُولُونَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ فَرَحُهُمْ بِنَا (أَي: الصَّحَابَةُ) فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ أَوْسَعُوا لَنَا، فَقَعَدْنَا، فَرَحَّبَ بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا لَنَا.

ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْنَا فَقَالَ: «مَنْ سَيِّدُكُمْ وَزَعِيمُكُمْ؟».

فَأَشَرْنَا بِأَجْمَعِنَا إِلَى المُنْذِرِ بْنِ عَائِذٍ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَهَذَا الْأَشَجُّ؟».

قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ.

فَتَخَلَّفَ بَعْدَ الْقَوْمِ، فَعَقَلَ رَوَاحِلَهُمْ، وَضَمَّ مَتَاعَهُمْ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَيْبَتَهُ (أَيْ: مَا يُوضَعُ فِيهِ المَتَاعُ) فَأَلْقَى عَنْهُ ثِيَابَ السَّفَرِ، وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ.

ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ بَسَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رِجْلَهُ، وَاتَّكَأَ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ الْأَشَجُّ أَوْسَعَ الْقَوْمُ لَهُ، وَقَالُوا: هَاهُنَا يَا أَشَجُّ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَوَى قَاعِدَاً، وَقَبَضَ رِجْلَهُ: «هَاهُنَا يَا أَشَجُّ».

فَقَعَدَ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ بِهِ، وَأَلْطَفَهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ بِلَادِهِ، وَسَمَّى لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَرْيَةً قَرْيَةً الصَّفَا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ قُرَى هَجَرَ.

فَقَالَ الأَشَجُّ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، لَأَنْتَ أَعْلَمُ بِأَسْمَاءِ قُرَانَا مِنَّا.

فَقَالَ: «إِنِّي قَدْ وَطِئْتُ بِلَادَكُمْ، وَفُسِحَ لِي فِيهَا».

قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْأَنْصَارِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَكْرِمُوا إِخْوَانَكُمْ، فَإِنَّهُمْ أَشْبَاهُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ، أَشْبَهُ شَيْءٍ بِكُمْ أَشْعَارَاً وَأَبْشَارَاً، أَسْلَمُوا طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ، وَلَا مَوْتُورِينَ (أَيْ: مُصَابِينَ بِمُصِيبَةٍ) إِذْ أَبَى قَوْمٌ أَنْ يُسْلِمُوا حَتَّى قُتِلُوا».

قَالَ: فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحُوا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ رَأَيْتُمْ كَرَامَةَ إِخْوَانِكُمْ لَكُمْ، وَضِيَافَتَهُمْ إِيَّاكُمْ؟».

قَالُوا: خَيْرَ إِخْوَانٍ، أَلَانُوا فِرَاشَنَا، وَأَطَابُوا مَطْعَمَنَا، وَبَاتُوا وَأَصْبَحُوا يُعَلِّمُونَا كِتَابَ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأُعْجِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَفَرِحَ. قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: هَذَا الحَدِيثُ بِطُولِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. اهـ.

وَفِي هَذَا يَنْجَلِي لَكَ كَرِيمُ طَبْعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَطِيبُ نَفْسِهِ، وَكَمَالُ خَصْلَتِهِ، وَحُسْنُ طَوِيَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَإِنَّ النُّفُوسَ اللَّئِيمَةَ في طَبْعِهَا تُحِبُّ أَنْ تَحْتَقِرَ كَرَامَةَ الكِرَامِ، وَأَنْ تَنْتَقِصَ مِنْ جَانِبِهَا، وَنَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 11/محرم /1440هـ، الموافق: 21/ أيلول / 2018م