74ـ مكافأته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الإكرام بأفضل إكرام

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

74ـ مكافأته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الإكرام بأفضل إكرام

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: مُكَافَأَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الإِكْرَامَ بِأَفْضَلِ إِكْرَامٍ:

رَوَى البَيْهَقِيُّ في الدَّلَائِلِ وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْدُمُهُمْ.

فَقَالَ أَصْحَابُهُ: نَحْنُ نَكْفِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ (أَيْ: نَكْفِيكَ القِيَامَ بِضِيَافَتِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ).

قَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِي مُكْرِمِينَ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ».

مُقَابَلَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الإِحْسَانَ بِأَجْمَلِ إِحْسَانٍ:

كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُضِيعُ الإِحْسَانَ، وَلَا يُنْكِرُ الجَمِيلَ وَالمَعْرُوفَ لِإِنْسَانٍ، مَنْ عَمِلَ مَعَهُ مَعْرُوفَاً، أَو صَنَعَ مَعَهُ جَمِيلَاً، يَذْكُرُهُ لَهُ، وَيُقَابِلُهُ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ وَأَكْرَمُ وَأَجْمَلُ، كَمَا أَثْبَتَتْ ذَلِكَ الوَقَائِعُ الوَارِدَةُ، وَالشَّوَاهِدُ الثَّابِتَةُ: فَمِنْ ذَلِكَ: مَا وَرَدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَسْقَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (أَيْ: طَلَبَ مَاءً لِـيَشْرَبَ مِنْهُ) فَأَتَيْتُهُ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَكَانَتْ فِيهِ شَعَرَةٌ فَأَخَذْتُهَا (أَيْ: أَزَالَهَا مِنَ القَدَحِ).

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِصُنْعِهِ الجَمِيلَ: «اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ».

قَالَ الرَّاوِي: فَرَأَيْتُهُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ لَيْسَ فِي لِحْيَتِهِ شَعَرَةٌ بَيْضَاءُ

قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ إِلَّا أَنَّهُ ـ الطَّبَرَانِيُّ ـ قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. اهـ.

وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَسَقَطَتْ عَلَى لِحْيَتِهِ رِيشَةٌ، فَابْتَدَرَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ فَأَخَذَهَا مِنْ لِحْيَتِهِ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَزَعَ اللهُ عَنْكَ مَا تَكْرَهُ» قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ نَائِلُ بْنُ نُجَيْحٍ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ.

فَانْظُرْ كَيْفَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُضَيِّعْ إِحْسَانَ مَنْ أَزَالَ عَنْهُ رِيشَةً!

وَمِنْ ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ (أَيْ: بِمَاءِ وُضُوئِهِ وَسَائِرِ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ سِوَاكٍ وَنَحْوِهِ).

فَقَالَ لِي: «سَلْ» (أَيْ: اطْلُبْ مَا تَحْتَاجُهُ في مُقَابَلَةِ خِدْمَتِكَ لِي).

فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ.

قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» (أَيْ: تَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ).

قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ (أَيْ: سُؤَالِي مُرَافَقَتُكَ، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَ ذَلِكَ).

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ وَلَفْظُهُ: قال رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَارِي، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَوَيْتُ إِلَى بَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَبَتُّ عِنْدَهُ، فَلَا أَزَالُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ رَبِّي» حَتَّى أَمَلُّ أَوْ تَغْلِبَنِي عَيْنِي فَأَنَامُ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: «يَا رَبِيعَةُ، سَلْنِي فَأُعْطِيَكَ».

قُلْتُ: أَنْظِرْنِي حَتَّى أَنْظُرَ، وتَذَكَرْتُ أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ مُنْقَطِعَةٌ؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْأَلُكَ أنْ تَدْعُوَ اللهَ أَنْ يُجَنِّبَنِي مِنَ النَّارِ وَيُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ.

فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا؟».

قُلْتُ: مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنِّي عَلِمْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ فَانِيَةٌ، وَأَنْتَ مِنَ اللهِ بِالمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ، أَحْبَبْتُ أنْ تَدْعُوَ اللهَ لِي.

قَالَ: «إِنِّي فَاعِلٌ، فَأَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» انْظُرْ تَرْغِيبَ المُنْذِرِيِّ في فَضْلِ السُّجُودِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 3/صفر الخير /1440هـ، الموافق: 12/ تشرين الأول / 2018م