75ـ كمال لطفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

75ـ كمال لطفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: كَمَالُ لُطْفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَشِدَّةُ اهْتِمَامِهِ بِمَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ أُمُورِ الدِّينِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ:

رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي رِفَاعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ، جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ؟

قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدَاً، فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فَأَتَمَّ آخِرَهَا.

فَانْظُرْ في شِدَّةِ اهْتِمَامِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ أُمُورِ الدِّينِ، كَيْفَ تَرَكَ خُطْبَتَهُ وَعَلَّمَ السَّائِلَ مَا سَأَلَهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ!

وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي المَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ.

فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ المُتَّكِئُ.

فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا ابْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَبْتُكَ».

فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ؟ (أَيْ: لَا تَغْضَبْ في تَشْدِيدِي عَلَيْكَ في السُّؤَالِ، بَلْ تَحَمَّلْ).

ـ وَإِذَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَحُفُّهُ بِلَطَافَتِهِ ـ فَقَالَ لَهُ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ».

فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».

وَفِي رِوَايَةٍ مُسْلِمٍ: قَالَ الرَّجُلُ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟

قَالَ: «اللهُ».

قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟

قَالَ: «اللهُ».

قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ (أَيْ: مِنَ المَنَافِعِ).

قَالَ: «اللهُ».

قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ، وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، آللهُ أَرْسَلَكَ؟

قَالَ: «نَعَمْ».

قَالَ ـ كَمَا في رِوَايَةِ البُخَارِيِّ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ (أَيْ: أَسْأَلُكَ بِاللهِ) آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ ـ وَفِي رِوَايَةٍ أَنْ نُصَلِّيَ، بِالنُّونِ وَفِيمَا بَعْدَهَا أَيْضَاً ـ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».

قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، آللهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟

قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».

قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللهِ، آللهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ».

وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: وَسَأَلَهُ عَنِ الحَجِّ أَيْضَاً، ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ.

وَفِي الاسْتِيعَابِ لِابْنِ عَبْدِ البَرِّ في تَرْجَمَةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ العَقْلِ وَالدِّينِ، رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ جَمَاعَةِ نِسَاءِ المُسْلِمِينَ، كُلُّهُنَّ يَقُلْنَ بِقَوْلِي، وَعَلَى مِثْلِ رَأْيِي:

إِنَّ اللهَ بَعَثَكَ إلى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَآمَنَّا بِكَ وَاتَّبَعْنَاكَ، وَنَحْنُ مَـعْشَرَ النِّسَاءِ مَقْصُورَاتٌ مُخَدَّرَاتٌ، قَوَاعِدُ بُيُوتٍ، وَإِنَّ الرِّجَالَ فُضِّلُوا بِالجُمُعَاتِ وَشُهُودِ الجَنَائِزِ وَالجِهَادِ، وَإِذَا خَرَجُوا للجِهَادِ حَفِظْنَا لَهُمْ أَمْوَالَهُمْ، وَرَبَّيْنَا أَوْلَادَهُمْ، أَفَنُشَارِكُهُمْ في الأَجْرِ يَا رَسُولَ اللهِ؟

فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ إلى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «هَلْ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ امْرَأَةٍ أَحْسَنَ سُؤَالَاً عَنْ دِينِهَا مِنْ هَذِهِ؟».

فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «انْصَرِفِي يَا أَسْمَاءُ، وَأَعْلِمِي مَنْ وَرَاءَكِ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا (أَيْ: طَاعَةُ المَرْأَةِ لِبَعْلِهَا، أَيْ: زَوْجِهَا) وَطَلَبَهَا لِمَرْضَاتِهِ، وَاتِّبَاعَهَا لِمُوَافَقَتِهِ، يَعْدِلُ كُلَّ مَا ذُكِرْتِ للرِّجَالِ».

فَانْصَرَفَتْ أَسْمَاءُ وَهِيَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ، اسْتِبْشَارَاً بِمَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَيَشْهَدُ لِهَذَا الحَدِيثِ: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْكَ، هَذَا الْجِهَادُ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى الرِّجَالِ، فَإِنْ يُصِيبُوا أُجِرُوا، وَإِنْ قُتِلُوا كَانُوا أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَنَحْنُ مَعْشَرَ النِّسَاءِ نَقُومُ عَلَيْهِمْ فَمَا لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟

قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَبْلِغِي مَنْ لَقِيتِ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاعْتِرَافَاً بِحَقِّهِ يَعْدِلُ ذَلِكَ، وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ مَنْ يَفْعَلُهُ» قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ البَزَّارُ هَكَذَا مُخْتَصَرَاً.

وَالطَّبَرَانِيُّ في حَدِيثٍ فَقَالَ في آخِرِهِ: ثُمَّ جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي رَسُولُ النِّسَاءِ إِلَيْكَ، وَمَا مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ إِلَّا وَهِيَ تَهْوَى مَخْرَجِي إِلَيْكَ، اللهُ رَبُّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِلَهُهُنَّ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ إِلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، كُتِبَ الْجِهَادُ عَلَى الرِّجَالِ، فَإِنْ أَصَابُوا أُجِرُوا، وَإِنِ اسْتُشْهِدُوا كَانُوا أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَمَا يَعْدِلُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «طَاعَةُ أَزْوَاجِهِنَّ، وَالمَعْرِفَةُ بِحُقُوقِهِنَّ، وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ تَفْعَلُهُ». انْظُرْ تَرْغِيبَ المُنْذِرِيِّ. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 6/صفر الخير /1440هـ، الموافق: 15/ تشرين الأول / 2018م