77ـ صدقه للوعد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

77ـ صدقه للوعد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: صِدْقُهُ للوَعْدِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَادِقَ الوَعْدِ، يَفِي بِوَعْدِهِ وَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ.

رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْحَمْسَاءِ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ، فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ، فَنَسِيتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَانِهِ.

فَقَالَ: «يَا فَتَى، لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ، أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ».

زِيَارَاتُهُ الكَرِيمَةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ:

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَزُورُ أَصْحَابَهُ لِيُكْرِمَهُمْ بِذَلِكَ، وَلِيُدْخِلَ الـسُّرَورَ عَلَيْهِمْ، وَلِيَنْفَعَهُمْ بِإِرْشَادَاتِهِ وَتَعَالِيمِهِ.

فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكْثِرُ زِيَارَةَ الْأَنْصَارِ، خَاصَّةً وَعَامَّةً. فَكَانَ إِذَا زَارَ خَاصَّةً أَتَى الرَّجُلَ فِي مَنْزِلِهِ، وَإِذَا زَارَ عَامَّةً أَتَى المَسْجِدَ. قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ. اهـ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ الْأَنْصَارَ، وَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ، وَيَمْسَحُ رُؤُوسَهُمْ. حَدِيثٌ حَسَنٌ بَلْ صَحِيحٌ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ في فَيْضِ القَدِيرِ.

وَجَاءَ في الأَدَبِ المُفْرَدِ للبُخَارِيِّ: بَابُ مَنْ زَارَ قَوْمَاً فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامَاً، فَلَمَّا خَرَجَ (أَيْ: لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ) أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدَعَا لَهُمْ.

وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَتَبَرَّكُوا بِصَلَاتِهِ، وَبِمَوْضِعِ صَلَاتِهِ، وَلِيَتَّخِذُوا المَكَانَ الذي صَلَّى فِيهِ مَسْجِدَ البَيْتِ.

وَعَن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى بَنِي وَاقِفٍ، نَزُورُ الْبَصِيرَ» رَجُلٌ كَانَ مَكْفُوفَ الْبَصَرِ. قَالَ الحَافِظُ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ البَزَّارُ ـ وَاللَّفْظُ لَهُ ـ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُ البَزَّارِ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ إِبْرَاهِيمَ بن المستمر العَرُوقِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ. اهـ.

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في المُسْنَدِ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: زَارَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِلِنَا، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ».

 قَالَ: فَرَدَّ سَعْدٌ رَدَّاً خَفِيَّاً.

وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بَعْدَ أَنْ رَدَّ سَعْدٌ خَفِيَّاً قَالَ قَيْسٌ: قُلْتُ: أَلَا تَأْذَنُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: ذَرْهُ يُكْثِرْ عَلَيْنَا مِنَ السَّلَامِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ» (أَيْ: ثَانِيَاً).

فَرَدَّ سَعْدٌ رَدَّاً خَفِيَّاً.

ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ» (أَيْ: ثَالِثَاً).

فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّبَعَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ تَسْلِيمَكَ، وَأَرُدُّ عَلَيْكَ رَدَّاً خَفِيَّاً، لِتُكْثِرَ عَلَيْنَا مِنَ السَّلَامِ.

قَالَ: فَانْصَرَفَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (أَيْ: ذَهَبَ مَعَ سَعْدٍ إِلَى مَنْزِلِهِ) فَأَمَرَ لَهُ سَعْدٌ بِغُسْلٍ (أَيْ: مَاءً لِيَغْتَسِلَ تَبَرُّدَاً) فَوُضِعَ، فَاغْتَسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَاوَلَهُ ـ أَوْ قَالَ: نَاوَلُوهُ ـ مِلْحَفَةً مَصْبُوغَةً بِزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ، فَاشْتَمَلَ بِهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ».

قَالَ: ثُمَّ أَصَابَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الانْـصِرَافَ قَرَّبَ إِلَيْهِ سَعْدٌ حِمَارَاً، قَدْ وَطَّأَ عَلَيْهِ بِقَطِيفَةٍ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ سَعْدٌ: يَا قَيْسُ، اصْحَبْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ قَيْسٌ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ارْكَبْ».

فَأَبَيْتُ، ثُمَّ قَالَ: «إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ، وَإِمَّا أَنْ تَنْصَرِفَ (أَيْ: تَرْجِعَ إلى مَنْزِلِكَ)».

قَالَ: فَانْصَرَفْتُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْدَه ـ كَمَا في شَرْحِ المَوَاهِبِ ـ فَأَرْسَلَ سَعْدٌ ابْنَهُ قَيْسَاً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَرُدَّ الحِمَارَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ: احْمِلْهُ ـ أَيْ: احْمِلْ قَيْسَاً ـ بَيْنَ يَدَيَّ» أَيْ: أَمَامِي عَلَى الدَّابَّةِ.

فَقَالَ سَعْدٌ: سُبْحَانَ اللهِ، أَتَحْمِلُهُ بَيْنَ يَدَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، هُوَ أَحَقُّ بِصَدْرِ حِمَارِهِ».

فَقَالَ سَعْدٌ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «احْمِلْهُ إِذَاً خَلْفِي».

فَانْظُرْ إلى كَمَالِ لُطْفِهِ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِ، وَرِعَايَتِهِ للحُقُوقِ، وَإِعْطَائِهِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ!.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 17/صفر الخير /1440هـ، الموافق: 26/ تشرين الأول / 2018م