40-بر الوالدين:يا أبتاه، أما بشرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

 

بر الوالدين

40ـ يا أبتاه، أما بشرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ حُقُوقِ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ، إِذَا وَقَعَا أَو وَقَعَ أَحَدُهُمَا في سِيَاقِ المَوْتِ، أَنْ يُحَسِّنَ ظَنَّهُ بِاللهِ تعالى، وَأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتعالى سَيَرْحَمُهُ، وَأَنْ يُطَمَّعَ في رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَيُحَثَّ عَلَى تَحْسِينِ ظَنِّهِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ يُرْجَى ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يُذَكَّرَ بِالآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ الكَرِيمَةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ الوَارِدَةِ في كَرَمِ اللهِ تعالى، وَسَعَةِ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَمَا وَعَدَ بِهِ سُبْحَانَهُ وتعالى عِبَادَه المُؤْمِنِينَ، وَمَا يَنْشُرُهُ جَلَّ شَأْنُهُ لَهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى إِذَا مَاتَ يَمُوتُ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ تعالى، فَيَدْخُلُ في قَوْلِهِ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

حَسِّنْ ظَنَّهُ بِاللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَجْمَلَ أَنْ يُرَبِّيَ الإِنْسَانُ وَلَدَهُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَعَلَى مَعْرِفَةِ اللهِ تعالى، وَعَلَى تِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ؛ فَمَنْ رَّبَى وَلَدَهُ عَلَى ذَلِكَ انْتَفَعَ مِنْ وَلَدِهِ عِنْدَ سَكَرَاتِ مَوْتِهِ؛ وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا النَّفْعِ أَنْ يُحَسِّنَ ظَنَّ وَالِدَيْهِ أَو أَحَدِهِمَا عِنْدَمَا يَقَعُ في سَكَرَاتِ المَوْتِ، فَيُذَكِّرَهُ بِآيَاتٍ يُطَمِّعُهُ فِيهَا بِرَحْمَةِ اللهِ تعالى، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

وَكَقَوْلِهِ تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَذَا مِنْ حَقِّ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ، أَنْ يُحَسِّنَ ظَنَّهُمَا بِاللهِ تعالى عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَمُوتَ إِلَّا وَظَنُّهُ بِاللهِ حَسَنٌ، فَلْيَفْعَلْ» رواه ابن حبان عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ذَكِّرْهُ بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنْ حُقُوقِ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ، إِذَا وَقَعَا في سِيَاقِ المَوْتِ، أَو وَقَعَ أَحَدُهُمَا فِيهِ، أَنْ يُذَكِّرَهُ بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ حَتَّى يُطَمْئِنَ قَلْبَهُ.

روى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ المَهْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ العَاصِ، وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ، يَبَكِي طَوِيلَاً، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، أَمَا بَـشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟

قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ.

أَخَذَ ابْنُهُ يُذَكِّرُهُ بِبِشَارَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» رواه الإمام مسلم.

وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَجَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَرَأَيْتَ رَجُلَاً مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحِبُّهُ، أَلَيْسَ رَجُلَاً صَالِحَاً؟

قَالَ: بَلَى.

قَالَ: قَدْ مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحِبُّكَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَكَ.

فَقَالَ: قَدْ اسْتَعْمَلَنِي، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُبَّاً كَانَ لِي مِنْهُ، أَوْ اسْتِعَانَةً بِي، وَلَكِنِّي سَأُحَدِّثُكَ بِرَجُلَيْنِ مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحِبُّهُمَا: عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ حَقِّ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ، إِذَا وَقَعَا في سَكَرَاتِ المَوْتِ أَنْ يُحَسِّنَ ظَنَّهُمَا بِاللهِ تعالى، وَأَنْ يُذَكِّرَهُمَا بِحُسْنِ أَعْمَالِهِمَا، وَمَا لَهُمَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ هَذَا ثَبَتَ عَنِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا لِسَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا طُعِنَ وَجَعَلَ يَأْلَمُ، وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ (أَي يُذْهِبُ خَوْفَهُ وَجَزَعَهُ): يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ، لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ. رواه الإمام البخاري.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا للسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا حِينَ اشْتَكَتْ، يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ، عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ. رواه الإمام البخاري.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضَاً قَالَ: فَأَنْتِ بِخَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللهُ، زَوْجَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرَاً غَيْرَكِ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ، وَخَاصَّةً عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ، وَوَفِّقْنَا للأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ مَوْتِنَا، وَاخْتِمْ لَنَا بِهَا مَعَ كَمَالِ الإِخْلَاصِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ النَّاطِقِينَ بِالشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ الغَرْغَرَةِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ؛ وَوَفِّقْنَا لِبِرِّ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 11/ رجب /1440هـ، الموافق: 17/ آذار / 2019م