8ـ ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾ :فترة المراهقة فترة للإبداع

 

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾

8ـ فترة المراهقة فترة للإبداع

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ الفَوَائِدِ وَالعِبَرِ التي نَسْتَفِيدُهَا مِنْ قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَنَّ فَتْرَةَ المُرَاهَقَةِ هِيَ فَتْرَةٌ للإِبْدَاعِ، وَلَيْسَتْ فَتْرَةً للشَّهَوَاتِ وَاتِّبَاعِ النَّزَوَاتِ، قَالَ تعالى في حَقِّ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمَاً وَعِلْمَاً وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾.

مَرْحَلَةُ الأَشُدِّ في القُرْآنِ العَظِيمِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَرْحَلَةُ الأَشُدِّ في القُرْآنِ العَظِيمِ جَاءَتْ عَلَى ثَلَاثِ مَعَانٍ:

الأَوَّلُ: بِمَعْنَى الإِدْرَاكِ وَالبُلُوغِ، كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾. وَكَقَوْلِهِ تعالى في حَقِّ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمَاً وَعِلْمَاً﴾.

الثَّانِي: بِمَعْنَى البُلُوغِ وَالاسْتِوَاءِ، كَقَوْلِهِ تعالى في حَقِّ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمَاً وَعِلْمَاً﴾.

الثَّالِثُ: بِمَعْنَى تَمَامِ الأَشُدِّ، كَقَوْلِهِ تعالى في حَقِّ البَارِّ بِوَالِدَيْهِ: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحَاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾.

فَتْرَةُ المُرَاهَقَةِ فَتْرَةٌ للإِبْدَاعِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا وَصَلَ سِنَّ الإِدْرَاكِ وَالبُلُوغِ أُوتِيَ الحُكْمَ وَالعِلْمَ، وَشَهِدَ اللهُ تعالى لَهُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الإِحْسَانِ، قَبْلَ دُخُولِهِ مَرْحَلَةَ الامْتِحَانِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمَاً وَعِلْمَاً وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾.

لَقَدْ آتَاهُ اللهُ تعالى الحُكْمَ وَالعِلْمَ، لِأَنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى اخْتِبَارٍ وَامْتِحَانٍ كَبِيرٍ، وَخَاصَّةً أَنَّهُ يَعِيشُ في قُصُورِ عَزِيزِ مِصْرَ.

كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى زَرْعِ العِلْمِ وَالحِكْمَةِ في نُفُوسِ أَبْنَائِنَا، وَخَاصَّةً عِنْدَ سِنِّ المُرَاهَقَةِ في هَذِهِ الآوِنَةِ، خَشْيَةً عَلَيْهِمْ مِنَ الوُقُوعِ في الفِتَنِ؟

كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى تَذْكِيرِ أَبْنَائِنَا وَهُمْ في سِنِّ المُرَاهَقَةِ أَنَّ هَذِهِ الفَتْرَةَ هِيَ للإِبْدَاعِ، وَلَيْسَتْ للشَهَوَاتِ، وَخَاصَّةً المُحَرَّمَةِ؟

هَذَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُرَبِّي وَلَدَهُ عَلَى تَحَمُّلِ المَسْؤُولِيَّةِ وَهُوَ في فَتْرَةِ المُرَاهَقَةِ، قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾. فَسَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ خِلَالِ هَذَا الحِوَارِ أَرَادَ أَنْ يُشْرِكَ وَلَدَهُ في اتِّخَاذِ القَرَارِ.

فَمَاذَا أَجَابَ الوَلَدُ وَالِدَهُ ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾. وَلَدُكَ كَبِيرٌ، وَلَكِنْ نَحْنُ وَبِكُلِّ أَسَفٍ نُصَغِّرُهُ، وَالوَلَدُ يَنْشَأُ عَلَى مَا عَوَّدَهُ أَبُوهُ وَمَا رَبَّاهُ عَلَيْهِ.

لَقَدْ دَمَّرْنَا أَبْنَاءَنَا تَدْمِيرَاً، وَذَلِكَ بِاحْتِقَارِهِمْ، وَبِالنَّظَرِ إِلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ صِغَارٌ، وَمَا غَرَسْنَا فِيهِمُ العِلْمَ وَالحِكْمَةَ وَهُمْ في سِنِّ المُرَاهَقَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سِنُّ المُرَاهَقَةِ سِنُّ الإِبْدَاعِ لَا سِنُّ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، إِذَا رَبَّيْنَاهُمْ عَلَى العِلْمِ وَالحِكْمَةِ وَالمَعْرِفَةِ، هَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُجَهِّزُ جَيْشَاً عَرَمْرَمَاً فِيهِ الصِّدِّيقُ وَالفَارُوقُ، وَيَجْعَلُ قَائِدَهُ الحِبَّ بْنَ الحِبِّ سَيِّدَنَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَهُوَ دُونَ العِشْرِينَ مِنْ عُمُرِهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَبَابُنَا اليَوْمَ في سِنِّ المُرَاهَقَةِ نَرَاهُمْ في المَلَاعِبِ، وَصَالَاتِ الفُنُونِ، وَتَعَلُّمِ الغِنَاءِ وَالرَّقْصِ وَالخَلَاعَةِ؛ أَيْنَ العِلْمُ وَأَيْنَ الحِكْمَةُ؟

هَذَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَاهُ اللهُ تعالى الحُكْمَ وَالعِلْمَ، وَأَخْبَرَنَا بِذَلِكَ حَتَّى نَتَعَلَّمَ كَيْفَ نُرَبِّيَ أَوْلَادَنَا في فَتْرَةِ المُرَاهَقَةِ، حَتَّى يَكُونُوا مُبْدِعِينَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عِنْدَمَا آتَاهُ اللهُ تعالى الحُكْمَ وَالعِلْمَ شَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ مِنَ المُحْسِنِينَ، كَمَا شَهِدَ لِجَدِّهِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ دُخُولِهِ الامْتِحَانَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ سَيِّدِنَا إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾. جَاءَتِ التَّزْكِيَةُ لِسَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ الاخْتِبَارِ، وَجَاءَتِ التَّزْكِيَةُ لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَبْلَ اخْتِبَارِهِ مَعَ امْرَأَةِ العَزِيزِ.

فَمَنْ أَرَادَ شَهَادَةَ التَّزْكِيَةِ لِأَبْنَائِهِ، فَعَلَيْهِ بِتَعْلِيمِهِمْ وَهُمْ في سِنِّ المُرَاهَقَةِ، أَنَّ هَذَا السِّنَّ للإِبْدَاعِ لَا للشَّهَوَاتِ.

وَعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّا نَحْنُ أَسْبَابٌ لَا أَكْثَرُ وَلَا أَقَلُّ، لِأَنَّ المُعَلِّمَ الحَقِيقِيَّ إِنَّمَا هُوَ اللهُ تعالى، فَاللهُ تعالى يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَخَاصَّةً لِأَهْلِ التَّقْوَى، فَالمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ قُلُوبٍ لَا عُقُولٍ.

عَلَيْنَا بِالأَخْذِ بِالأَسْبَابِ ثُمَّ دُعَاءِ اللهِ تعالى لَنَا وَلِأَبْنَائِنَا أَنْ يَحْفَظَنَا وَإِيَّاهُمْ مِنْ جَمِيعِ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

يَا رَبُّ، احْفَظْنَا وَاحْفَظْ ذُرِّيَاتِنَا. آمين.

**      **    **

الاثنين: 11/ رجب /1440 هـ، الموافق: 18/ آذار / 2019م