108ـ كلمات في مناسبات: الإسراء والمعراج عبرة الدهر

 

108ـ كلمات في مناسبات: الإسراء والمعراج عبرة الدهر

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نِعَمُ اللهِ عَلَيْنَا سَابِغَةٌ، وَفَضْلُهُ عَلَيْنَا عَظِيمٌ، مِنْ أَعْظَمِ هَذِهِ النِّعَمِ نِعْمَةُ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي هُوَ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنَّ اللهَ تعالى عَلَيْنَا بِأَنْ جَعَلَنَا مِنْ أُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَنَا مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، وَفَضَّلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَكْرَمَهُ بِخَارِقَةٍ عَجِيبَةٍ وَمُعْجِزَةٍ خَالِدَةٍ حَيَّرَتْ عُقُولَ أَعْدَاءِ الإِسْلَامِ، وَقَرَّتْ بِهَا أَعْيُنُ المُؤْمِنِينَ، لِيَزْدَادُوا بِهَا إِيمَانَاً إلى إِيمَانِهِمْ.

تِلْكَ المُعْجِزَةُ العَظِيمَةُ هِيَ مُعْجِزَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، حَيْثُ أُسْرِيَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ مِنَ المَسْجِدِ الأَقْصَى إلى السَّمَاوَاتِ العُلَا.

تِلْكَ المُعْجِزَةُ عِبْرَةُ الدَّهْرِ، يَغُصُّ بِهَا المُلْحِدُونَ، كَمَات غَصَّ بِهَا مَنْ قَبْلَهُمْ وَهُم الجَاحِدُونَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَأَشْبَاهِهِمْ الذينَ تَصَدَّوْا لِدَعْوَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ ضَيَّقُوا عَلَيْهِ وَحَاصَرُوهُ في الشِّعْبِ ثَلَاثَ سِنِينَ، حَتَّى أَكَلَ الُمسلِمُونَ الُمحَاصَرُونَ وَرَقَ الشَّجَرِ، ثُمَّ حَصَلَ لَهُ مَا حَصَلَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ لَمَّا رَجَمُوهُ بِالحِجَارَةِ حَتَّى أَدْمَوْا عَقِبَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَلَكِنَّ المَوْلَى جَلَّ جَلَالُهُ جَعَلَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجَاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجَاً، وَأَيَّدَهُ بِالأَنْصَارِ لَمَّا هَاجَرَ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ.

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ حَدَثُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ تَطْيِيبَاً لِخَاطِرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِعْلَامَاً للبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ بِأَنَّ المِحَنَ سَوْفَ تَأْتِي مِنْ بَعْدِهَا المِنَحُ مِنَ اللهِ تعالى، إِذَا صَبَرَ العِبَادُ عَلَى الشَّدَائِدِ، وَالْتَزَمُوا شَرْعَ اللهِ تعالى، وَمَا حَادُوا عَنْهُ قَيْدَ أُنْمُلَةٍ في شَدَائِدِهِمْ.

تَعَالَوْا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ لِنَقْرَأَ أَوَاخِرِ سُورَةِ النَّحْلِ، وَأَوَائِلَ سُورَةِ الإِسْرَاءِ، يَقُولُ اللهُ تعالى في سُورَةِ النَّحْلِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهِ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. ثُمَّ يَقُولُ في سُورَةِ الإِسْرَاءِ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلَاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُتِيتُ بِالبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الحِمَارِ، وَدُونَ البَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ» قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ المَقْدِسِ» قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ بِالحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ» قَالَ: «ثُمَّ دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الفِطْرَةَ.

ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.

ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ.

ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا هُوَ قَدِ اُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.

ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانَاً عَلِيَّاً﴾.

ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.

ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.

ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدَاً ظَهْرَهُ إِلَى البَيْتِ المَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ.

ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ المُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالقِلَالِ».

قَالَ: «فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ».

قَالَ: «فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسَاً، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسَاً، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ».

قَالَ: «فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَاً، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئَاً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً».

قَالَ: «فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ».

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ مُكَافَأَةً رَبَّانِيَّةً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَعْلِيمَاً للأُمَّةِ بِأَنَّ المِنَحَ بَعْدَ المِحَنِ إِذَا صَبَرْنَا، وَكَانَ صَبْرُنَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ لِعِوَضٍ، وَلَيْسَ عَنْ عَجْزٍ، فَمَنْ صَبَرَ للهِ تعالى فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ على اللهِ تعالى ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ كَانَ مُكَافَأَةً رَبَّانِيَّةً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على مَا لَاقَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الطَّائِفِ.

كَانَ مُكَافَأَةً رَبَّانِيَّةً بَعْدَ حِصَارٍ دَامَ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ في شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ.

كَانَ مُكَافَأَةً رَبَّانِيَّةً بَعْدَ فَقْدِ النَّاصِرِ الحَمِيمِ وَهُوَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، وَبَعْدَ فَقْدِ زَوْجَتِهِ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ الكُبْرَى، أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَهِيَ الُمواسِيَةُ وَالُمعِينَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

كَانَ مُكَافَأَةً رَبَّانِيَّةً بَعْدَ خَيْبَةِ الأَمَلِ في ثَقِيفٍ، وَمَا نَالَهُ مِنْ سُفَهَائِهَا وَصِبْيَانِهَا وَعَبِيدِهَا.

كَانَ مُكَافَأَةً رَبَّانِيَّةً بَعْدَ إِعْلَانِهِ الصَّرِيحِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَعْفِهِ وَافْتِقَارِهِ إلى اللهِ تعالى: «اللَّهُمَّ إلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أَنْتَ رَبُّ الْـمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، اللَّهُمَّ إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْته أَمْرِي، إنْ لَمْ يَكُنْ بِك غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَك أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ الظُّلُمَاتُ؛ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ يَنْزِلَ بِي سَخَطُكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ غَضَبُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِك» رواه الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بَعْدَ هَذِهِ الآلَامِ كَانَت تِلْكَ المُكَافَأَةُ، وَكَانَتْ تِلْكَ الَمكْرُمَاتُ، لَقَدْ رَفَعَهُ اللهُ تعالى إِلَيْهِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ مِنْ حُلَلِ الرِّضَا مَا أَنْسَاهُ كُلَّ مَا لَاقَاهُ، وَكُلَّ مَا سَيُلَاقِيهِ، بَعْدَ المِحَنِ كَانَتْ مِنْحَةُ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاجِ تَعْوِيضَاً عَظِيمَاً، وَجَائِزَةً قَيِّمَةً على صَبْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي كَانَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.

أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الثَّبَاتَ، وَتَفْرِيجَ الكَرْبِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 25/ رجب /1440 هـ، الموافق: 1/ نيسان / 2019م