97ـ خشيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الله تعالى

 

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

97ـ خشيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الله تعالى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: خَشْيَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللهِ تعالى وَخَوْفُهُ مِنْهُ:

كَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ النَّاسِ خَشْيَةً مِنَ اللهِ تعالى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ تعالى، وَالخَشْيَةُ مِنَ اللهِ تعالى تَكُونُ عَلَى حَسَبِ العِلْمِ بِهِ تعالى، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾. الآيَةَ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَيْئَاً فَرَخَّصَ فِيهِ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ، فَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً».

1ـ وَفِي هَذَا الحَدِيثِ: الحَثُّ الشَّدِيدُ عَلَى الاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّهْيُ عَنِ التَّعَمُّقِ.

2ـ وَفِيهِ ذَمُّ التَّنَزُّهِ عَنِ المُبَاحِ شَكَّاً في إِبَاحَتِهِ، وَأَنَّ العِلْمَ بِاللهِ تعالى يُوجِبُ اشْتِدَادَ الخَشْيَةِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، دُونَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ إِفْرَاطٌ أَو تَشَدُّدٌ في الأَعْمَالِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

3ـ وَفِي هَذَا الحَدِيثِ: بَيَانٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَإِعْلَانُ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى جَمِيعِ العِبَادِ، بِالعِلْمِ بِاللهِ تعالى، وَالخَشْيَةِ مِنَ اللهِ تعالى، وَأَنَّ اللهَ تعالى قَدْ أَعْطَاهُ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ مَقَامٍ في المَعْرِفَةِ وَالخَشْيَةِ.

وَقَدْ قَالَ العَارِفُونَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: إِنَّ مَقَامَ المَعْرِفَةِ بِاللهِ تعالى وَالخَشْيَةِ مِنَ اللهِ تعالى إِذَا أُكْمِلَا لِصَاحِبِهِمَا، وَانْتَهَى إلى دَرَجَةِ المَعْرِفَةِ حَقَّ المَعْرِفَةِ، وَالخَشْيَةِ حَقَّ الخَشْيَةِ: ظَهَرَتْ عَلَيْهِ آثَارُهُمَا، وَصَحَّتْ لَهُ أَحْكَامُهُمَا، كَمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعَاً: لَوْ خِفْتُمُ اللهَ تعالى حَقَّ خِيفَتِهِ، لَعَلِمْتُمُ العِلْمِ الذي لَا جَهْلَ مَعَهُ، وَلَوْ عَرَفْتُمُ اللهَ تعالى حَقَّ مَعْرِفَتِهِ لَزَالَت لِدُعَائِكُمُ الجِبَالُ. (عَزَاهُ في الجَامِعِ الصَّغِيرِ إلى الحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ رَامِزَاً لِضَعْفِهِ).

فَمَا ظَنُّكَ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي نَالَ أَعْلَى مَقَامٍ في المَعْرِفَةِ بِاللهِ تعالى، وَأَرْفَعَ مَقَامٍ في الخَشْيَةِ مِنَ اللهِ تعالى؟! وَمَهْمَا تَصَوَّرْتَ وَقَدَّرْتَ مِنْ آثَارِهِمَا وَأَحْكَامِهِمَا فَالأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا غَرْوَ في ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمَاً﴾.

وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلَاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرَاً».

قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ، فَخَطَبَ، فَقَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلَاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرَاً».

فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ، غطَوُّا رُؤُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ (قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ بَعْدَ مَا أَوْرَدَ تِلْكَ الأَحَادِيثَ: الخَنِينُ بِفَتْحِ الخَاءِ المُعْجَمَةِ بَعْدَهَا نُونٌ هُوَ البُكَاءُ مَعَ غُنَّةٍ بِانْتِشَارِ الصَّوْتِ مِنَ الأَنْفِ. اهـ).

وَفِي هَذَا الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ خَوْفِهِ مِنَ اللهِ تعالى، وَكَثْرَةِ بُكَائِهِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِمَّا جَاءَ في عَظِيمِ خَوْفِهِ مِنَ اللهِ تعالى:

مَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، وَكَانَ بِيَدِهِ سِوَاكٌ، فَدَعَا وَصِيفَةً لَهُ ـ أَوْ لَهَا ـ (امْرَأَةً مَمْلُوكَةً) حَتَّى اسْتَبَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ (لِاشْتِغَالِهَا في اللَّعِبِ، وَلَمْ تُجِبْ دَعْوَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).

فَخَرَجَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إِلَى الحُجُرَاتِ فَوَجَدَتِ الْوَصِيفَةَ وَهِيَ تَلْعَبُ بِبَهْمَةٍ (وَلَدُ الضَّأْنِ الصَّغِيرُ).

فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَلَا أَرَاكِ تَلْعَبِينَ بِهَذِهِ الْبَهْمَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكِ؟

فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا سَمِعْتُكَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا خَشْيَةُ الْقَوَدِ (أَيْ: القِصَاصِ يَوْمَ القِيَامَةِ) لَأَوْجَعْتُكِ بِهَذَا السِّوَاكِ» (قَالَ في التَّرْغِيبِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ بِأَسَانِيدَ أَحَدُهَا جَيِّدٌ ـ وَاللَّفْظُ لَهُ ـ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِنَحْوِهِ)

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 19/جمادى الأولى /1440هـ، الموافق: 25/ كانون الثاني / 2019م