643ـ خطبة الجمعة: مخاطر الانزلاق وراء الشهوات

 

643ـ خطبة الجمعة: مخاطر الانزلاق وراء الشهوات

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ خَلَقَ اللهُ تعالى النَّاسَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَجَعَلَ فِيهِم شَهْوَةً كَامِنَةً فِيهِمَا، فَإِنْ صَرَفوهَا بِصُورَةٍ صَحِيحَةٍ كَانَ أَمْرُهُمَا مَحْمُودَاً، وَإِنْ أَسَاءوا في اسْتِخْدَامِهَا وَتَـصْرِيفِهَا حَرَفَتْهُمْ إلى المَهَالِكِ وَالمَهَاوِي، وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُمْ خُسْرَانَاً في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

وَهَا أَنَا أَتَوَجَّهُ إلى شَبَابِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا الذينَ مَنَّ اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ بِالهِدَايَةِ وَالنُّورِ وَالاسْتِقَامَةِ، أَتَوَجَّهُ إلى هَؤُلَاءِ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ الذينَ يَحْمِلُونَ مِشْعَلَ الدَّعْوَةِ للصَّلَاحِ وَالإِصْلَاحِ لِصَلَاحِ هَذِهِ الأُمَّةِ، التي هِيَ أُمَّتُهُمْ، وَالتي هِيَ جُزْءٌ مِنْهُمْ، وَهُمْ جُزْءٌ مِنْهَا، لِأَقُولَ لَهُمْ قَوْلَ الصَّادِقِ الأَمِينِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ» رواه الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ: إِنَّ الانْسِيَاقَ وَرَاءَ الشَّهَوَاتِ أَمْرٌ خَطِيرٌ وَخَطِيرٌ جِدَّاً، وَذَلِكَ للوَعِيدِ الشَّدِيدِ الذي تَوَعَّدَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى بِهِ مَنِ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَانْقَادَ وَرَاءَ شَهَوَاتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيَّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئَاً﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مَخَاطِرُ الانْزِلَاقِ وَرَاءَ الشَّهَوَاتِ:

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا: إِنَّ مَخَاطِرَ الانْزِلَاقِ وَرَاءَ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةِ مَخَاطِرُ جَسِيمَةٌ وَكَبِيرَةٌ جِدَّاً، تَبْدَأُ بِصَغَائِرِ الذُّنُوبِ، وَتَنْتَهِي بِارْتِكَابِ الفَوَاحِشِ وَالكَبَائِرِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى مِنْ ذَلِكَ، مِنْ هَذِهِ المَخَاطِرِ:

أولاً: تَعْرِيضُ الإِيمَانِ للزَّوَالِ:

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا: إِنَّ اتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةِ تُعَرِّضُ الإِيمَانَ للزَّوَالِ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى، اسْمَعُوا إلى هَذَا الوَعِيدِ الشَّدِيدِ الذي يُرْجِفُ فُؤَادَ المُسْلِمِ وَالمُسْلِمَةِ حِيَنَمَا يَسْمَعُهُ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وفي رِوَايَةٍ للحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زَنَى العَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الإِيمَانُ، وَكَانَ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا انْقَلَعَ مِنْهَا رَجَعَ إِلَيْهِ الإِيمَانُ».

أَيُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ يَرْضَى أَنْ يَنْسَلِخَ مِنْ إِيمَانِهِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى؟ أَيُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ يَرْضَى أَنْ يُخْتَمَ لَهُ عَلَى نَزْعِ الإِيمَانِ مِنْ قَلْبِهِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى؟

ثانياً: اسْتِحْلَالُ الفَاحِشَةِ سَبَبٌ للخُلُودِ في نَارِ جَهَنَّمَ:

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا: إِنَّ اتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةِ قَدْ يكُونُ سَبَبَاً لِاسْتِحْلَالِ الفَاحِشَةِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَبِذَلِكَ يَسْتَحِقُّ العَبْدُ مُضَاعَفَةَ العَذَابِ مَعَ الخُلُودِ في نَارِ جَهَنَّمَ إِذَا لَمْ يَتُبْ إلى اللهِ تعالى قَبْلَ مَوْتِهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامَاً * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانَاً﴾.

تَنَبَّهُوا إلى قَوْلِهِ تعالى: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ﴾. وَالعَذَابُ عَلَى قَدْرِ المُعَذِّبِ، فَهَلْ يَرْضَى المُؤْمِنُ وَالمُؤْمِنَةُ بِسَبَبِ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ أَنْ يَسْتَحِلَّ الفَاحِشَةَ، لِتَكُونَ النَّتِيجَةُ: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ﴾. مَعَ أَنَّهُ جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابَاً يَوْمَ القِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ، يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ».

أَيُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ يَرْضَى أَنْ يُضَاعَفَ لَهُ العَذَابُ مَعَ الخُلُودِ فِيهَا؟

ثالثاً: الوُلُوعُ بِالفَاحِشَةِ سَبَبٌ لِسُوءِ الخَاتِمَةِ:

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا: إِنَّ اتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةِ قَدْ تَكُونُ سَبَبَاً لِسُوءِ الخَاتِمَةِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ يَرْضَى بِسُوءِ الخَاتِمَةِ؟ أَيُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ يَرْضَى أَنْ يَقُولَ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾؟

أَيُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ يَرْضَى أَنْ يَنْدَرِجَ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ﴾؟

أَيُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ يَرْضَى أَنْ يَسْمَعَ قَوْلَهُ تعالى عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ: ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا: إِنَّ اتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةِ سَبَبٌ لِحَيَاةِ الشَّقَاءِ وَالضَنْكِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَسَبَبٌ للعَمَى في الآخِرَةِ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرَاً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسَى﴾.

وَهِيَ سَبَبٌ للأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ وَالجَسَدِيَّةِ، وَاسْمَعُوا إلى مَا يُعَانِي النَّاسُ وَخَاصَّةً في البِلَادِ غَيْرِ المُسْلِمَةِ،  مِنْ وَيْلَاتِ مَا يُسَمُّونَهُ بِالأَمْرَاضِ الجِنْسِيَّةِ، كُلَّمَا اكْتَشَفُوا عِلَاجَاً لِمَرَضٍ ابْتَلَاهُمُ اللهِ تعالى بِمَرَضٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ في أَسْلَافِهِمْ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَالأَبْصَارِ أَنْ يُثَبِّتَنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفي الآخِرَةِ، وَأَنْ يُرِيَنَا الحَقَّ حَقَّاً وَيَرْزُقَنَا اتِّبَاعَهُ وَيُحَبِّبَنَا فِيهِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 2/ رجب /1440هـ، الموافق: 8/ آذار / 2019م