129ـ في دعائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

129ـ في دعائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: في دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيُرَغِّبُ فِيهِ، وَيَحُثُّ عَلَيْهِ، في مُنَاسَبَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الدُّعَاءَ نَوْعٌ مِنَ العِبَادَةِ:

كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ـ أَيْ: التي مِنْ جُمْلَتِهَا الدُّعَاءُ ـ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ ـ أَيْ: ذَلِيلِينَ صَاغِرِينَ ـ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعَاً: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ» أَيْ: خَالِصُهَا.

وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الدَّاعِيَ يَدْعُو اللهَ تعالى عِنْدَ انْقِطَاعِ أَمَلِهِ عَمَّا سِوَاهُ، وَفِي ذَلِكَ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ وَالإِخْلَاصِ.

كَمَا أَنَّ في الدُّعَاءِ إِظْهَارُ الافْتِقَارِ، لِسُلْطَانِ العَزِيزِ الجَبَّارِ.

وَفِيهِ التَّبَرُّؤُ مِنَ الحَوْلِ وَالقُوَّةِ، وَهُوَ سِمَةُ العُبُودِيَّةِ، وَاسْتِشْعَارُ التَّذَلُّلِ لِعِزَّةِ الرُّبُوبَيَّةِ.

كَمَا أَنَّ الدُّعَاءَ يَتَضَمَّنُ الثَّنَاءَ عَلَى اللهِ تعالى، وَالاعْتِرَافَ لَهُ بِأَنْوَاعِ الفَضْلِ وَالكَرَمِ.

كَمَا أَنَّ الدُّعَاءَ مِفْتَاحُ الرَّحْمَةِ الإِلَهِيَّةِ:

فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ، فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَمَا سُئِلَ اللهُ شَيْئَاً أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ العَافِيَةَ . . .» الحَدِيثَ.

كَمَا أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ اسْتِمْدَادُ القُوَّةِ، وَهُوَ سِلَاحٌ قَاصِمٌ:

فَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى وَالدَّيْلَمِيُّ، وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ تعالى وَجْهَهُ مَرْفُوعَاً: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يُنْجِيكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَيَدِرُّ لَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ؟ تَدْعُونَ اللهَ فِي لَيْلِكُمْ وَنَهَارِكُمْ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ سِلَاحُ المُؤْمِنِ، وَعِمَادُ الدِّينِ، وَنُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ».

كَمَا أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ إِرْضَاءُ اللهِ تعالى:

رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ».

قَالَ العَلَّامَةُ الطِّيبِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يُبْغِضُهُ، وَالمَبْغُوضُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، وَاللهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ. اهـ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ:

فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 4/ ذو الحجة/1440هـ، الموافق: 5/ آب / 2019م