130ـ آدابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدعاء

130ـ آدابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدعاء

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: آدَابُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدُّعَاءِ:

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ في الدُّعَاءِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ.

وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ في كَثِيرٍ مِنْ أَدْعِيَتِهِ، دَعَا بِهَا في مُنَاسَبَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ:

قَالَ الإِمَامُ القَسْطَلَانِيُّ في إِرْشَادِ السَّارِي: وَقَدْ جَمَعَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ المُهَذَّبِ نَحْوَاً مِنْ ثَلَاثِينَ حَدِيثَاً في ذَلِكَ ـ أَيْ: في رَفْعِ يَدَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدُّعَاءِ ـ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرِهِمَا، وَللمُنْذِرِيِّ فِيهِ جُزْءٌ. اهـ.

وَعَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ مَاجَه، وَابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ، وَالحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ عَلَى شَرْطِهِمَا، كَمَا في جَامِعِ العُلُومِ، وَنُزُلِ الأَبْرَارِ، وَغَيْرِهِمَا.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مُشِيرَاً بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ تَارَةً إِنْ كَانَ الدُّعَاءُ بِنَحْوِ تَحْصِيلِ شَيْءٍ، وَبِظَاهِرِهِمَا إلى السَّمَاءِ تَارَةً إِنْ دَعَا بِنَحْوِ دَفْعِ بَلَاءٍ، كَمَا وَرَدَ في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. انْظُرْ شَرْحَ المَوَاهِبِ وَغَيْرِهِ.

وَلِذَا قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: قَالَ العُلَمَاءُ: السُّنَّةُ في كُلَّ دُعَاءٍ لِدَفْعِ بَلَاءٍ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ، جَاعِلَاً ظُهُورَ كَفَّيْهِ إلى السَّمَاءِ، وَإِذَا دَعَا بِسُؤَالِ شَيْءٍ وَتَحْصِيلِهِ أَنْ يَجْعَلَ كَفَّيْهِ إلى السَّمَاءِ. اهـ.

وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ: قَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ. قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: وَذَلِكَ لِعَدَمِ الشَّعْرِ أَصْلَاً، أَو لِدَوَامِ تَعَهُّدِهِ بِالإِزَالَةِ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُبَالِغُ في رَفْعِ يَدَيْهِ في الاسْتِسْقَاءِ، وَفِي مَوَاقِفِ الاسْتِغَاثَةِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالاسْتِنْصَارِ عَلَى الأَعْدَاءِ، كَمَا جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ يَسْتَنْصِرُ عَلَى المُشْرِكِينَ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ في الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ بُرَيْدَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ: مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ.

قَالَ العَلَّامَةُ المَنَاوِيُّ: وَذَلِكَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الدُّعَاءِ، تَفَاؤُلَاً وَتَيَمُّنَاً أَنَّ كَفَّيْهِ مُلِئَا خَيْرَاً، فَأَفَاضَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ للدَّاعِي ـ ذَكَرَهُ الحَلِيمِيُّ. اهـ.

وَكَانَ يَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ في دُعَائِهِ:

كَمَا وَرَدَ في مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُنْزِلَتْ عَشْرُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾. قَالَ عُمَرُ: فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلَا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا» الحَدِيثَ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ في: التَّفْسِيرِ، وَالنَّسَائِيُّ في: الصَّلَاةِ.

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ، كَمَا في فَيْضِ القَدِيرِ.

وَقَدْ رَمَزَ السُّيُوطِيُّ إلى حَسَنِهِ.

وَقَدِ اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القِبْلَةَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَدَعَا اللهَ تعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُرْشِدُ الدَّاعِيَ إلى أَنْ يَفْتَتِحَ دُعَاءَهُ بِالثَّنَاءِ عَلَى الله ِ تعالى، ثُمَّ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

قَالَ النَّوَوِيُّ في الأَذْكَارِ: رَوَيْنَا في كِتَابَيِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَه، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَاً، فَقَعَدَ فَقَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللهِ حَاجَةٌ، أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبَاً إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمَّاً إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضَاً إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. اهـ. وَقَدْ رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مُتَعَدِّدَةٌ، كَمَا في نُزُلِ الأَبْرَارِ وَشَرْحِ الأَذْكَارِ، وَتُحْفَةِ الذَّاكِرِينَ.

وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِفْتَاحِ الدُّعَاءِ بِالثَّنَاءِ: مَا رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالحَاكِمُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ دُعَاءَهُ: بِسُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَلِيِّ، الْأَعْلَى الْوَهَّابِ.

وَلِذَا قَالَ الإِمَامُ حُجَّةُ الإِسْلَامِ الغَزَالِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَيُنْدَبُ أَنْ يُفْتَتَحَ الدُّعَاءُ بِذِكْرِ اللهِ تعالى، وَبِمَا هُوَ اللَّائِقُ مِنْ ذِكْرِ المَوَاهِبِ وَالمَكَارِمِ أَوْلَى. اهـ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 8/ ذو الحجة/1440هـ، الموافق: 9/ آب / 2019م