133ـ من جوامع أدعيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

133ـ من جوامع أدعيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: مِنْ جَوَامِعِ أَدْعِيَتِهِ العَامَّةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».

وَالَحَسَنَةُ في الدُّنْيَا: هِيَ كَمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ تعالى وَجْهَهُ: المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ العَافِيَةُ وَالكَفَافُ.

وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: هِيَ العِلْمُ وَالعِبَادَةُ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: المَالُ الصَّالِحُ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الأَوْلَادُ الأَبْرَارُ أَو ثَنَاءُ الخَلْقِ.

وَقَالَ جَعْفَرُ الصَّادِقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هِيَ صُحْبَةُ الصَّالِحِينَ.

قَالَ العَلَّامَةُ الآلُوسِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الحَسَنَةَ وَإِنْ كَانَتْ نَكِرَةً في الإِثْبَاتِ وَهِيَ لَا تَعُمُّ إِلَّا أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ فَتَنْصَرِفُ إلى الكَامِلِ، وَالحَسَنَةُ الكَامِلَةُ في الدُّنْيَا مَا يَشْمَلُ جَمِيعَ حَسَنَاتِهَا، وَهِيَ تَوْفِيقُ الخَيْرِ، وَبَيَانُها ـ أَيْ: تَفْسِيرُ الحَسَنَةِ ـ بِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ، لَيْسَ مِنْ بَابِ تَعْيِينِ المُرَادِ، إِذْ لَا دَلَالَةَ للمُطْلَقِ عَلَى المُقَيَّدِ أَصْلَاً، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ.

قَالَ: وَكَذَا الكَلَامُ في «وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً» فَقَدْ قِيلَ: هِيَ الجَنَّةُ، وَقِيلَ: السَّلَامَةُ مِنْ هَوْلِ المَوْقِفِ وَسُوءِ الحِسَابِ، وَقِيلَ: الحُورُ العِينُ، وَقِيلَ: لَذَّةُ الرُّؤْيَةِ ـ أَيْ: رُؤْيَةُ البَارِي جَلَّ وَعَزَّ ـ وَقِيلَ وَقِيلَ؛ وَالظَّاهِرُ الإِطْلَاقُ وَإِرَادَةُ الكَامِلِ، وَهُوَ الرَّحْمَةُ وَالإِحْسَانُ. اهـ. أَيْ: بِجَمِيعِ تِلْكَ الأَصْنَافِ وَغَيْرِهَا.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَادَ رَجُلَاً مِنَ المُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ ـ المَنْتُوفِ ـ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو اللهَ بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟».

قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللهِ! إِذَاً لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ـ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ ـ فَهَلَّا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».

قَالَ: فَدَعَا اللهَ لَهُ، فَشَفَاهُ اللهُ تعالى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنْ أَدْعِيَتِهِ الجَامِعَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

«اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ».

الداعي وَمِنْ ذَلِكَ: «رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ (قَالَ في النِّهَايَةِ: مَكْرُ اللهِ إِيقَاعُ بَلَائِهِ بِأَعْدَائِهِ دُونَ أَوْلِيَائِهِ، وَقِيلَ: هُوَ اسْتِدْرَاجُ العَبْدِ بِالطَّاعَاتِ، فَيَتَوَهَّمُ ـ العَبْدُ ـ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ، وَهِيَ مَرْدُودَةٌ، وَالمَعْنَى: أَلْحِقْ مَكْرَكَ بِأَعْدَائِي لَا بِي. اهـ.

قَالَ العَلَّامَةُ الزَّرْقَانِيُّ: وَلَا يُسْنَدُ ـ المَكْرُ ـ إلى اللهِ تعالى إِلَّا عَلَى سَبِيلِ المُقَابَلَةِ وَالازْدِوَاجِ؛ وَالمُقَابَلَةُ هُنَا مُقَدَّرَةٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: «امْكُرْ لِي» مَعْنَاهُ جَازِ مَنْ مَكَرَ عَلَيَّ. اهـ).

وَاهْدِنِي (أَيْ: اهْدِنِي لِصَالِحِ الأَعْمَالِ وَالأَخْلَاقِ).

وَيَسِّرْ لِيَ الهُدَى، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارَاً، لَكَ ذَكَّارَاً، لَكَ رَهَّابَاً، مِطْوَاعَاً لَكَ، مُخْبِتَاً إِلَيْكَ، أَوَّاهَاً مُنِيبَاً، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي (أَيْ: خَطِيئَتِي) وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي (بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الخَاءِ هِيَ: الحِقْدُ) ـ وَفِي رِوَايَةٍ: قَلْبِي ـ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ (أَيْ: الصِّيَانَةَ عَنْ مَطَامِعِ الدُّنْيَا وَعَنِ المَنْهِيَّاتِ) وَالْغِنَى (غِنَى النَّفْسِ، وَالغِنَى عَنِ النَّاسِ)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 29/ ذو الحجة /1440هـ، الموافق: 30/ آب / 2019م