10ـ النجاسات المختلف في نجاستها (2)

10ـ النجاسات المختلف في نجاستها (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدَّرْسِ المَاضِي النَّجَاسَاتِ المُخْتَلَفِ في نَجَاسَتِهَا عِنْدَ الفُقَهَاءِ، وَهِيَ:

أولاً: مَيْتَةُ الحَيَوَانِ البَحْرِيِّ، ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى حِلِّ مَيْتَةِ البَحْرِ، وَعِنْدَ الحَنَفِيَّةِ لَا يَحِلُّ مِنَ الحَيَوَانِ المَائِيِّ إِلَّا السَّمَكُ.

ثانياً: عَظْمُ المَيْتَةِ:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى نَجَاسَةِ عَظْمِ المَيْتَةِ خِلَافَاً للحَنَفِيَّةِ الذينَ قَالُوا بِطَهَارَتِهِ.

ثالثاً: جِلْدُ المَيْتَةِ:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالحَنَفِيَّةُ إلى أَنَّ طَهَارَتِهِ إِذَا دُبِغَ إِلَّا جِلْدَ الخِنْزِيرِ وَالكَلْبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَخَالَفَ في ذَلِكَ السَّادَةُ المَالِكِيَّةُ وَقَالُوا بَنَجَاسَتِهِ وَلَو دُبِغَ.

رابعاً: بَوْلُ الصَّبِيِّ الرَّضِيعِ:

ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أَنَّ التَّطْهِيرَ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ الرَّضِيعِ وَبَوْلِ الجَارِيَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالغَسْلِ، وَخَالَفَ في ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، وقَالُوا بِأَنَّ التَّطْهِيرَ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ، خِلَافَاً لِبَوْلِ الجَارِيَةِ.

خامساً: بَوْلُ الحَيَوَانَاتِ المَأْكُولَةِ اللَّحْمِ:

عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَجِسَةٌ، وَعِنْدَ الحَنَفِيَّةِ نَجَاسَتُهَا مُخَفَّفَةٌ.

سادساً: فَضَلاتُ البَهَائِمِ المَأْكُولَةِ اللَّحْمِ:

عِنْدَ الشَّافِعِيَّةُ نَجِسَةٌ، وَعِنْدَ الحَنَفِيَّةِ نَجِسَةٌ مَا عَدَا خُرْءَ الطُّيُورِ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ، وَغَيْرُهَا نَجِسَةٌ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً.

سَابِعَاً: المَنِيُّ:

أَمَّا مَنِيُّ الآدَمِيِّ فَقَدْ ذَهَبَ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ، وَفي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إلى أَنَّ المَنِيَّ نَجِسٌ، لِمَا روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ الجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَإِنَّ بُقَعَ المَاءِ فِي ثَوْبِهِ.

وروى الإمام مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، عَنِ الْمَنِيِّ يُصِيبُ ثَوْبَ الرَّجُلِ أَيَغْسِلُهُ أَمْ يَغْسِلُ الثَّوْبَ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ.

وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ الْمَنِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ إلى أَنَّ مَنِيَّ الإِنْسَانِ طَاهِرٌ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِحَدِيثِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا كَانَتْ تَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ.

وروى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ نَازِلَاً عَلَى عَائِشَةَ فَاحْتَلَمْتُ فِي ثَوْبَيَّ فَغَمَسْتُهُمَا فِي الْمَاءِ، فَرَأَتْنِي جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَبَعَثَتْ إِلَيَّ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ بِثَوْبَيْكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: رَأَيْتُ مَا يَرَى النَّائِمُ فِي مَنَامِهِ، قَالَتْ: هَلْ رَأَيْتَ فِيهِمَا شَيْئَاً؟ قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: فَلَوْ رَأَيْتَ شَيْئَاً غَسَلْتَهُ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَابِسَاً بِظُفُرِي.

وروى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ئ يَسْلُتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الإِذْخِرِ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَحُتُّهُ مِنْ ثَوْبِهِ يَابِسَاً، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ.

وروى البيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ أَوِ الْمُخَاطِ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ إِذْخِرٍ».

وَإِنَّمَا يَكُونُ طَاهِرَاً إِذَا كَانَ قَدْ غَسَلَ النَّجَاسَةَ عَنِ المَخْرَجِ قَبْلَ خُرُوجِ المَنِيِّ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ غَسْلُهَا، فَإِنَّ المَنِيَّ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ غَسْلُهُ بِاتِّفَاقٍ؛ وَلَعَلَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَلَكِنَّهُ يَطْهُرُ بِالفَرْكِ إِذَا كَانَ جَافَّاً وَكَانَ المَخْرَجُ طَاهِرَاً.

ثامناً: مَاءُ القُرُوحِ:

ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى نَجَاسَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ لَهُ رَائِحَةٌ فَهُوَ نَجِسٌ كَالقَيْحِ.

وَإِنْ لَمْ يَكْنُ لَهُ رَائِحَةٌ، فَهُوَ طَاهِرٌ كَعَرَقِ البَدَنِ وَرُطُوبَتِهِ.

تاسعاً: الآدَمِيُّ المَيْتُ:

يَرَى عَامَّةُ مَشَايِخِ الحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِالمَوْتِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّمِ المَسْفُوحِ، كَمَا يَتَنَجَّسُ سَائِرُ الحَيَوَانَاتِ التي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ بِالمَوْتِ.

إِلَّا أَنَّهُ إِذَا غُسِّلَ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ إِذَا كَانَ مُسْلِمَاً كَرَامَةً لَهُ، وَأَمَّا الكَافِرُ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالغُسْلِ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا بِطَهَارَةِ الآدَمِيِّ المَيْتِ مُسْلِمَاً أَو غَيْرَ مُسْلِمٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

عَاشِرَاً: الكَلْبُ:

يَرَى الحَنَفِيَّةُ أَنَّ الكَلْبَ لَيْسَ بِنَجِسِ العَيْنِ، وَلَكِنْ سُؤْرُهُ وَرُطُوبَتُهُ نَجِسَةٌ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ أَنَّ الكَلْبَ نَجِسُ العَيْنِ.

وَخَالَفَ المَالِكِيَّةُ في ذَلِكَ، وَرُوِيَتْ عَنْهُمْ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ:

الأُولَى: أَنَّهُ نَجِسٌ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ طَاهِرٌ.

الثَّالِثَةُ: التَّفْرِيقُ بَيْنَ الأَهْلِيِّ وَغَيْرِ الأَهْلِيِّ.

الرَّابِعَةُ ـ وَهِيَ أَرْجَحُ الرِّوَايَاتُ ـ: التَّفْرِيقُ بَيْنَ المُرَخَّصِ في اسْتِعْمَالِهِ، كَكَلْبِ الحِرَاسَةِ وَالمَاشِيَةِ؛ وَغَيْرِ المُرَخَّصِ مِمَّا سِوَاهَا.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَقِّهَنَا في الدِّينِ، وَأَنْ يُعَلِّمَنَا التَّأْوِيلَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 24/ محرم /1441هـ، الموافق: 23/أيلول / 2019م