3ـ مقدمة الكتاب

حقائق عن التصوف

3ـ مقدمة الكتاب

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدِي العَارِفُ بِاللهِ تعالى، المُرْشِدُ الكَبِيرُ، سَيِّدِي وَمَوْلَايَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى، في كِتَابِهِ: حَقائِقُ عَنِ التَّصَوُّفِ:

نَحْمَدُكَ اللَّهُمَّ أَنْ وَفَّقْتَنَا سَوَاءَ السَّبِيلِ، فَأَنْتَ نِعْمَ الـمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ، وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلَى حَبِيبِكَ الأَعْظَمِ الـمَبْعُوثِ رَحْمَةً للعَالَمِينَ، وَمُنْقِذَاً للإِنْسَانِيَّةِ، وَهَادِيَاً للبَشَرِيَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ القُدْوَةِ الـمُثْلَى وَالأُسْوَةِ الحَسَنَةِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الذينَ زَكَّوْا أَنْفُسَهُمْ فَأَفْلَحُوا، وَنَصَحُوا إِخْوَانَهُمْ فَنَفَعُوا؛ اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِكَرَامَتِهِمْ، وَوَفِّقْنَا لِهَدْيِهِمْ، وَأَلْحِقْنَا بِهِمْ، وَاجْمَعْنَا مَعَهُمْ تَحْـتَ لِـوَاءِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، فَإِنَّكَ أَكْرَمُ مَسْؤُولٍ وَخَيْرُ مَأْمُولٍ.

وَبَعْدُ: فَلَقَدْ مُنِيَ الإِسْلَامُ مُنْذُ انْبِثَاقِ فَجْرِهِ بِخُصُومٍ أَلِدَّاءَ، حَاوَلُوا تَهْدِيمَ أَرْكَانِهِ، وَتَقْوِيضَ بُنْيَانِهِ، بِشَتَّى الأَسَالِيبِ وَمُخْتَلَفِ الوَسَائِلِ. وَنَحْنُ اليَوْمَ نُعَانِي مَوْجَاتٍ إِلْحَادِيَّةً، وَتَيَّارَاتٍ إِبَاحِيَّةً، تَـرِدُ إِلَيْنَا مِنَ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ، تُضَلِّلُ شَبَابَنَا، وَتُفْسِدُ أَجْيَالَنَا، وَتُهَدِّدُ مُسْتَقْبَلَنَا الفِكْرِيَّ العَقَائِدِيَّ بِمَصِيرٍ أَسْوَدَ قَاتِمٍ، وَتُنْذِرُ أُمَّتَنَا بِتَدَهْوُرٍ خَطِيرٍ، وَشَرٍّ مُسْتَطِيرٍ، وَلَا يَسَعُنَا في هَذَا الجَـوِّ الـمَـائِجِ بِالصِّـرَاعِ الفِكْرِيِّ، إِلَّا أَنْ نَعْتَصِمَ بِحَبْلِ اللهِ الـمَتِينِ، وَنَنْبُذَ الخِلَافَاتِ الفَرْعِيَّةَ الاجْتِهَادِيَّةَ وَنَرْبُطَ القُلُوبَ بِـاللهِ تَعَالَى، لِنَسْتَمِدَّ مِنْهُ القُوَّةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالعِزَّةَ وَالكَرَامَةَ.

وَإِذَا كَانَتْ مَهَمَّةُ دُعَاةِ الإِسْلَامِ الـمُخْلِصِينَ أَنْ يُعِيدُوا لِهَذَا الدِّينِ رُوحَهُ، وَأَنْ يَفْتَحُوا لَـهُ مَغَالِيقَ القُلُوبِ، فَمَا قَصَدَ الصُّوفِيَّةُ في كُلِّ عَصْرٍ وَزَمَانٍ إِلَّا العَوْدَةَ بِالـمُسْلِمِينَ إِلَى ظِلَالِ الأُنْسِ بِاللهِ تَعَالَى، وَنَعِيمِ مُنَاجَاتِهِ، وَسَعَادَةِ قُرْبِهِ، بِإِرْجَاعِ رُوحَانِيَّةِ الإِسْلَامِ إِلَيْهِ.

وَإِذَا كَانَ خُصُومُ الإِسْلَامِ قَدْ عَمِلُوا عَلَى تَشْوِيهِ مَعَالِمِهِ، فَوَصَمُوهُ بِـالجُمُودِ وَالقُصُـورِ، وَاتَّهَمُوا أَتْبَاعَهُ بِالرَّجْعِيَّةِ وَالتَّأَخُّرِ، وَمِنْ ثَمَّ صَبُّوا عَلَيْهِ حَمَلَاتِهِمُ الـمُغْرِضَةَ بِأَسَالِيبِهِمُ الـمَدْرُوسَةِ الـمُبْتَكَرَةِ، فَتَارَةً يُشَكِّكُونَ النَّاسَ في الـمَذَاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الـمُعْتَمَدَةِ، وَتَارَةً أُخْرَى يَطْعَنُونَ في بَعْضِ رُوَاةِ الحَدِيثِ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِيُقَوِّضُوا دَعَائِمَ الإِسْلَامِ، وَحِينَاً يُثِيرُونَ الشُّبُهَاتِ حَـوْلَ الـمَسَائِلِ الإِيمَانِيَّةِ، لِيُفْسِدُوا عَقَائِدَ الأُمَّةِ.

إِذَا كُنَّا نَرَى كُلَّ هَذَا في شَتَّى العُصُورِ، فَإِنَّ الذي يُثِيرُ الانْتِبَاهَ، وَيَلْفِتُ الأَنْظَارَ الطَّعْـنُ الـمَقْصُودُ، وَالهُجُومُ العَنِيفُ عَلَى التَّصَوُّفِ الإِسْلَامِيِّ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُ جَوْهَرُ الإِسْـلَامِ، وَرُوحُـُه النَّابِضَةُ، وَحَيَوِيَّتُهُ الفَعَّالَةُ، فَلَقَدْ أَرَادَ الـمُبْطِلُونَ تَشْوِيهَ مَعَالِمِهِ، وَتَصْوِيرَهُ سَبْحَاً فَلْسَفِيَّاً خَيَالِيَّاً، وَضَعْفَاً وَزُهْدَاً وَانْعِزَالَاً، وَابْتِدَاعَاً خُرَافِيَّاً، وَهَرَبَاً مِنْ وَاقِعِ الحَيَاةِ وَنِضَالِهَا، وَلَكِنَّ االله تَعَالَى قَدْ أَذِنَ لِدِينِهِ بِالحِفْظِ وَالبَقَاءِ، فَتَحَطَّمَتْ أَقْلَامُهُمْ، وَذَهَبَتِ الرِّيحُ بِدَعْوَاهُمْ، وَبَقِيَ التَّصَوُّفُ مَنَارَةَ السَّـالِكِينَ إِلَى االله تَعَالَى، وَمَنْهَجَاً إِيجَابِيَّاً لِنَشْرِ الإِسْلَامِ، وَتَدْعِيمِ بُنْيَانِهِ.

لِهَذَا الذي ذَكَرْتُ، أُقَدِّمُ كِتَابِيَ عَنِ التَّصَوُّفِ، دِفَاعَاً عَنْهُ، وَتَمْيِيزَاً لِلُبِّهِ مِنْ قِشْرِهِ، وَلِحَقَائِقِهِ مِمَّا عَلِقَ بِهِ، وَإِظْهَارَاً للحَقِّ، وَدَمْغَاً للبَاطِلِ، مُسْتَنِدَاً إِلَى كِتَابِ االله تَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ، وَأَقْوَالِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَعْلَامِ الفُقَهَاءِ، وَالأُصُولِيِّينَ وَالـمُحَدِّثِينَ، وَأَئِمَّةِ الصُّوفِيَّةِ، وَرِجَالِ الفِكْرِ الذينَ خَدَمُوا الإِسْلَامَ خَدَمَاتٍ حَسَنَةً.

وَفَّقَنَا اللهُ تَعَالَى جَمِيعَاً لِخِدْمَةِ الإِسْلَامِ وَلِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَنَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَالسَّدَادَ. فَمِنْـهُ الـمُبْتَدَأُ، وَإِلَيْهِ الـمُنْتَهَى، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ تَعَالَى، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

عبد القادر عيسى (رحمه االله تَعَالَى)

     حلب في ٢٤ رمضان ١٣٨١هـ

          الموافق ١٧ شباط ١٩٦١م

رَحِمَ اللهُ تعالى شَيْخَنَا رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَجَزَى اللهُ تعالى خَيْرَ الجَزَاءِ مَنْ قَالَ في حَقِّهِ:

وَعَـلَى أَبِي أَيُّـوبَ حَلَّ فَـقِيدُنَا    ***   ضَـيْـفَـاً فَـكَـانَ لَـهُ المَقَامُ الأَرْفَعُ

بِـجِوَارِ مَنْ نَزَلَ الحَبِيبُ بِدَارِهِ    ***   وَاخْتَارَهُ بِـالـفَـضْـلِ رَبٌّ مُـبْـدِعُ

وَلَهُ مِنَ الـشَّهْبَـاءِ أَصْـلٌ ثَابِتٌ   ***   وَعَلَى ذُرَا اسْتَنْبُولَ مَـثْـوَىً يَسْطَعُ

ذِكْرَاهُ إِنْ ذُكِرَتْ ذُكَاءُ فَمَشْرِقٌ    ***   وَسَنَاهُ إِنْ طَلَعَ الهِلَالُ فَـمَـطْـلِـعُ

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 24/ شوال /1440هـ، الموافق: 28/حزيران / 2019م