125ـ من أدعيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سجود الليل

من كتاب سيدنا محمد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

125ـ من أدعيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سجود الليل

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَمِنْ أَدْعِيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سُجُودِ اللَّيْلِ:

مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ، وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ».

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ ـ جَعَلْتُ أَطْلُبُهُ ـ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ فِي السُّجُودِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ:

«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ـ جَاءَ هَذَا في روَايَةِ أَبِي يَعْلَى ـ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنُ.

وَمِنْ ذَلِكَ: دُعَاؤُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِزِيَادَةِ النُّورِ:

كَمَا في رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا بَاتَ عِنْدَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَرَى كَيْفَ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في اللَّيْلِ ـ قَالَ: فَتَكَامَلَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكُنَّا نَعْرِفُهُ إِذَا نَامَ بِنَفْخِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَصَلَّى، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ، أَوْ فِي سُجُودِهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورَاً، وَفِي سَمْعِي نُورَاً، وَفِي بَصَرِي نُورَاً، وَعَنْ يَمِينِي نُورَاً، وَعَنْ شِمَالِي نُورَاً، وَأَمَامِي نُورَاً، وَخَلْفِي نُورَاً، وَفَوْقِي نُورَاً، وَتَحْتِي نُورَاً، وَاجْعَلْ لِي نُورَاً، وَاجْعَلْ لِي نُورَاً ـ أَو قَالَ: وَاجْعَلْنِي نُورَاً».

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضَاً: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، قَالَ سَلَمَةُ: حَدَّثَنِيهَا كُرَيْبٌ ـ أَيْ: ابْنُ عَبَّاسٍ ـ فَحَفِظْتُ مِنْهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ، وَنَسِيتُ مَا بَقِيَ، فَذَكَرَهَا، وَقَالَ في آخِرِهِ: «وَاجْعَلْ فِي نَفْسِي نُورَاً، وَأَعْظِمْ لِي نُورَاً».

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضَاً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَأَذَّنَ المُؤَذِّنُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورَاً .. إلى آخِرِ الدُّعَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: وَلَا خُلْفَ ـ أَيْ: وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ رِوَايَةِ دُعَائِهِ بِذَلِكَ في صَلَاتِهِ أَو سُجُودِهِ، وَفِي حَالِ خُرُوجِهِ إلى الصَّلَاةِ، فَقَالَ ذَلِكَ في الصَّلَاةِ اللَّيْلِيَّةِ وفي حَالِ خُرُوجِهِ إلى صَلَاةِ الصُّبْحِ. اهـ.

يَعْنِي أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْلَةً حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي، وَتَرُدُّ بِهَا غَائِبِي، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي، وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ.

اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِيمَانَاً وَيَقِينَاً لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً أَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الفَوْزَ فِي الْقَضَاءِ، وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَالنَّصْرَ عَلَى الأَعْدَاءِ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أُنْزِلُ بِكَ حَاجَتِي، وَإِنْ قَصُرَ رَأْيِي وَضَعُفَ عَمَلِي، افْتَقَرْتُ إِلَى رَحْمَتِكَ، فَأَسْأَلُكَ يَا قَاضِيَ الأُمُورِ، وَيَا شَافِيَ الصُّدُورِ، كَمَا تُجِيرُ بَيْنَ البُحُورِ، أَنْ تُجِيرَنِي مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، وَمِنْ دَعْوَةِ الثُّبُورِ، وَمِنْ فِتْنَةِ القُبُورِ.

اللَّهُمَّ مَا قَصُرَ عَنْهُ رَأْيِي، وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيَّتِي، وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْأَلَتِي مِنْ خَيْرٍ وَعَدْتَهُ أَحَدَاً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ خَيْرٍ أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَدَاً مِنْ عِبَادِكَ، فَإِنِّي رَاغِبٌ إِلَيْكَ فِيهِ، وَأَسْأَلُكَهُ بِرَحْمَتِكَ رَبَّ العَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ يَا ذَا الحَبْلِ الشَّدِيدِ، وَالأَمْرِ الرَّشِيدِ، أَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ الوَعِيدِ، وَالجَنَّةَ يَوْمَ الخُلُودِ، مَعَ المُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ الرُّكَّعِ، السُّجُودِ، المُوفِينَ بِالعُهُودِ، إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ، وإِنَّكَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هَادِينَ مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، سِلْمَاً لِأَوْلِيَائِكَ، وَحَرْبَاً لِأَعْدَائِكَ، نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَحَبَّكَ، وَنُعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ خَالَفَكَ.

اللَّهُمَّ هَذَا الدُّعَاءُ وَعَلَيْكَ الإِجَابَةُ، وَهَذَا الجُهْدُ وَعَلَيْكَ التُّكْلَانُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نُورَاً فِي قَلْبِي، وَنُورَاً فِي قَبْرِي، وَنُورَاً مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَنُورَاً مِنْ خَلْفِي، وَنُورَاً عَنْ يَمِينِي، وَنُورَاً عَنْ شِمَالِي، وَنُورَاً مِنْ فَوْقِي، وَنُورَاً مِنْ تَحْتِي، وَنُورَاً فِي سَمْعِي، وَنُورَاً فِي بَصَرِي، وَنُورَاً فِي شَعْرِي، وَنُورَاً فِي بَشَرِي، وَنُورَاً فِي لَحْمِي، وَنُورَاً فِي دَمِي، وَنُورَاً فِي مُخِّي، وَنُورَاً فِي عِظَامِي، اللَّهُمَّ أَعْظِمْ لِي نُورَاً، وَأَعْطِنِي نُورَاً، وَاجْعَلْ لِي نُورَاً» قَالَ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَريِبٌ، قَالَ: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضَاً، وَقَالَ العَلَّامَةُ في شَرْحِ الإِحْيَاءِ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ في كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالبَيْهَقِيُّ في كِتَابِ الدَّعَوَات. اهـ.

وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ في آخِرِهِ: «وَهَبْ لِي نُورَاً عَلَى نُورٍ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ النُّورَ في أَعْضَائِهِ وَجِهَاتِهِ، لِيَزْدَادَ في أَفْعَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ وَتَقَلُّبَاتِهِ نُورَاً عَلَى نُورٍ، فَهُوَ دُعَاءٌ بِدَوَامِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ كَانَ حَاصِلَاً لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا مَحَالَةَ، أَو هُوَ تَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ.

قَالَ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ:

أَمَّا النُّورُ الذي عَنْ يَمِينِهِ فَهُوَ المُؤَيِّدُ لَهُ، وَالمُعِينُ عَلَى مَا يَطْلُبُهُ مِنَ النُّورِ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالنُّورُ الذي عَنْ يَسَارِهِ فَنُورُ الوِقَايَةِ.

وَالنُّورُ الذي خَلْفَهُ هُوَ النُّورُ الذي يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ وَيَتَّبِعُهُ، فَهُوَ لَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، وَهُوَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَلْفِهِ، فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ، كَمَا أَنَّهُ المُتَّبَعُ عَلَى بَصِيرَةٍ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾.

وَأَمَّا النُّورُ الذي فَوْقَهُ فَهُوَ تَنَزُّلُ نُورٍ إِلَهِيٍّ قُدْسِيٍّ بِعِلْمٍ غَرِيبٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ خَبَرٌ، وَلَا يُعْطِيهِ نَظَرٌ. اهـ.

وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدَ فَصَّلَتْ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ في رِوَايَةِ مُسْلِمٍ:

وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً ـ كَمَا تَقَدَّمَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 18/ ذو القعدة /1440هـ، الموافق: 22/ تموز / 2019م