45ـ كيفية تغسيل الميت

بر الوالدين

45ـ كيفية تغسيل الميت

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَرَفْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ حُقُوقَ الوَالِدَيْنِ عَلَى الأَبْنَاءِ كَبِيرَةٌ جِدَّاً، وَلَا تَنْتَهِي هَذِهِ الحُقُوقُ بِمَوْتِهِمَا.

وَعَرَفْنَا أَنَّ تَغْسِيلَ المَيْتِ وَاجِبٌ عَلَى الأَحْيَاءِ تُجَاهَ مَنْ مَاتَ بِشَكْلٍ عَامٍّ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ المُتَوَفَّى أَحَدَ الأَبَوَيْنِ؟

إِذَا تَيَقَّنَ الوَلَدُ مِنْ وَفَاةِ وَالِدِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ تَغْسِيلُهُ، وَهَذَا مِنَ الوَفَاءِ في حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ البِنْتُ في حَقِّ وَالِدَتِهَا.

وَيُسْتَحَبُّ تَجْرِيدُ المَيْتِ عِنْدَ تَغْسِيلِهِ، لِأَنَّهُ لَو غُسِّلَ في ثَوْبِهِ تَنَجَّسَ الثَّوْبُ بِمَا يَخْرُجُ، وَقَدْ لَا يَطْهُرُ المَيْتُ، طَبْعَاً مَعَ وُجُوبِ سَتْرِ العَوْرَةِ عِنْدَ تَغْسِيلِهِ، لِأَنَّ سَتْرَ العَوْرَةِ وَاجِبٌ وَمَأْمُورٌ بِهِ، هَذَا إِذَا كَانَ الذَّكَرُ يُغَسِّلُ الذَّكَرَ، وَالأُنْثَى تُغَسِّلُ الأُنْثَى؛ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الذَّكَرُ المَحْرَمُ يُغَسِّلُ الأُنْثَى، وَعَكْسُهُ، فَيُسْتَرُ جَمِيعُ البَدَنِ.

وَضْعُ المَيْتِ عِنْدَ تَغْسِيلِهِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَمَّا كَيْفِيَّةُ وَضْعِ المَيْتِ عِنْدَ تَغْسِيلِهِ، فَهِيَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ لَوْحٍ هُيِّئَ لَهُ، وَيَكُونُ مَوْضِعُ رَأْسِهِ أَعْلَى لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ، وَيَكُونُ الْوَضْعُ طُولَاً، كَمَا فِي حَالَةِ المَرَضِ إِذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِإِيمَاءٍ.

وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ مَنِ اخْتَارَ الْوَضْعَ كَمَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ؛ وَالأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ.

عَدَدُ الْغَسَلَاتِ وَكَيْفِيَّتُهَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ الْغَاسِلُ بِتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ يُزِيلُ عَنْهُ النَّجَاسَةَ، وَيَسْتَنْجِيهِ، وَيَكُونُ إِجْلَاسُ الْمَيِّتِ وَعَصْرُ بَطْنِهِ فِي أَوَّلِ الْغُسْلِ.

ثُمَّ يُوَضِّئُهُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَلَا يُدْخِل الْمَاءَ فِي فِيهِ وَلَا أَنْفِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَذَى أَزَالَهُ بِخِرْقَةٍ يَبُلُّهَا وَيَجْعَلُهَا عَلَى أُصْبُعِهِ، فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ وَأَنْفَهُ حَتَّى يُنَظِّفَهُمَا.

وَبَعْدَ الْوُضُوءِ يَجْعَلُهُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ الأَيْمَنَ، ثُمَّ يُدِيرُهُ عَلَى الأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الأَيْسَرَ، وَذَلِكَ بَعْدَ تَثْلِيثِ غَسْلِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.

وَالْوَاجِبُ فِي غَسْل الْمَيِّتِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَسَّل ثَلَاثَاً كُلُّ غَسْلَةٍ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَيَجْعَل فِي الأَخِيرَةِ كَافُورَاً، أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الطِّيبِ إِنْ أَمْكَنَ.

وَإِنْ رَأَى الْغَاسِل أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ ـ لِكَوْنِهِ لَمْ يُنْقِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ـ غَسَلَهُ خَمْسَاً أَوْ سَبْعَاً، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْطَعَ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ.

وَالأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِغَاسِلَاتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، وَاغْسِلْنَهَا ثَلَاثَاً أَوْ خَمْسَاً أَوْ سَبْعَاً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ (السِّدْرُ شَجَرُ النَّبْقِ، نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ النَّبَاتَاتِ، ذُو رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ وَيُزِيلُ الأَذَى عَنِ الجَسَدِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدِ السِّدْرُ فَيُسْتَعْمَلُ الصَّابُونُ) وَاجْعَلْنَ فِي الآْخِرَةِ كَافُورَاً أَوْ شَيْئَاً مِنْ كَافُورٍ» رواه ابن حبان عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ عَلَى مُغْتَسَلِهِ، لَا يُعَادُ غُسْلُهُ، وَإِنَّمَا يُغْسَلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ.

كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْمَلَ الْمَيِّتُ إِلَى مَكَانٍ خَالٍ مَسْتُورٍ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الْغَاسِلُ، وَمَنْ لَا بُدَّ مِنْ مَعُونَتِهِ عِنْدَ الْغُسْلِ.

صِفَةُ مَاءِ الْغُسْل:

يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ غُسْل المَيِّتِ فِي المَاءِ: الطَّهُورِيَّةُ كَسَائِرِ الطَّهَارَاتِ، وَالإِبَاحَةُ كَبَاقِي الأَغْسَالِ، وَاسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ سَاخِنَاً لِزِيَادَةِ الإِنْقَاءِ، وَيُغْلَى الْمَاءُ بِالسِّدْرِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ.

مَا يُصْنَعُ بِالْمَيْتِ قَبْل التَّغْسِيل وَبَعْدَهُ:

يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اسْتِعْمَال الْبَخُورِ عِنْدَ تَغْسِيل الْمَيْتِ مُسْتَحَبٌّ، لِئَلَّا تُشَمَّ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ؛ وَيَزْدَادُ فِي الْبَخُورِ عِنْدَ عَصْرِ بَطْنِهِ.

وَأَمَّا تَسْرِيحُ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ، فَلَا يُفْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ لِحَقِّ الزِّينَةِ، وَالْمَيْتُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الزِّينَةِ؛ فَلَا يُزَال عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ ظُفْرُهُ مُنْكَسِرَاً فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ.

وَإِذَا فَرَغَ الْغَاسِل مِنْ تَغْسِيل الْمَيْتِ نَشَّفَهُ بِثَوْبٍ، لِئَلَّا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ. وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «فَإِذَا فَرَغْتِ مِنْهَا فَأَلْقِي عَلَيْهَا ثَوْبَاً نَظِيفَاً» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي غُسْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَال: فَجَفَّفُوهُ بِثَوْبٍ. رواه الإمام أحمد.

الأَحَقُّ بِتَغْسِيل المَيِّتِ:

الأَصْل أَنَّهُ لَا يُغَسِّلَ الرِّجَالَ إِلَّا الرِّجَالُ، وَلَا النِّسَاءَ إِلَّا النِّسَاءُ؛ لِأَنَّ نَظَرَ النَّوْعِ إِلَى النَّوْعِ نَفْسِهِ أَهْوَنُ، وَحُرْمَةُ المَسِّ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْحَيَاةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ.

فَإِذَا كَانَ المَيْتُ هُوَ الأَبُ غَسَّلَهُ وَلَدُهُ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الأُمُّ غَسَّلَتْهَا ابْنَتُهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: للهِ الحَمْدُ الذي شَرَّفَنَا بِالتَّكْلِيفِ، وَمِنْ جُمْلَةِ التَّكْلِيفِ بِرُّ الوَالِدَيْنِ في حَالِ حَيَاتِهِمَا، وَبَعْدَ مَوْتِهِمَا.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا بَرَرَةً بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 18/ ذو القعدة /1440هـ، الموافق: 21/ تموز / 2019م