153ـ عناية الله به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2)

153ـ عناية الله به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

وَهَكَذَا نَشَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في بَيْتِ عِزٍّ وَشَرَفٍ، عَزِيزَاً مُكَرَّمَاً، مُعَظَّمَاً، مَحْفُوفَاً بِعِنَايَةِ اللهِ تعالى، وَمُطَيَّبَاً بِعِنَايَتِهِ سُبْحَانَهُ.

وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ، وَإِيوَاءَهُ، وَعِنَايَتَهُ بِهِ مُنْذُ صِغَرِهِ في جُمْلَةِ صُنُوفِ الإِفْضَالِ وَالإِكْرَامِ، الذي امْتَنَّ اللهُ تعالى بِهِ عَلَيْهِ.

فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمَاً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلَاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.

فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ في هَذِهِ السُّورَةِ وُجُوهَاً مِنْ عِنَايَتِهِ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وتَوَلِّيهِ إِيَّاهُ في جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَتَعَهُّدِهِ إِيَّاهُ، وَحُسْنِ تَرْبِيَتِهِ، وَمُوَاصَلَةِ بِرِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَإِكْرَامِهِ، أَبْدَ الآبَادِ بِلَا انْقِطَاعٍ وَلَا نَفَادٍ.

فَأَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بِالضُّحَى الذي يَسْطَعُ فِيهِ نُورُ الشَّمْسِ، وَيَنْتَشِرُ فِيهِ ضِيَاؤُهَا وَبَهَاؤُهَا، وَبِاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، أَيْ: إِذَا أَظْلَمَ وَامْتَدَّ سَوَادُهُ، وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ لِكُلِّ ذِي بَصَرٍ إلى الفَرْقِ الكَبِيرِ بَيْنَهُمَا، أَيْ: بَيْنَ رَوْنَقِ الضُّحَى وَضِيَائِهِ، وَبَيْنَ ظَلَامِ اللَّيْلِ وَسَوَادِهِ، فَهَذَا هُوَ القَسَمُ، وَالمُقْسَمُ عَلَيْهِ: هُوَ عِنَايَةُ اللهِ تعالى بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَإِكْرَامُهُ إِيَّاهُ، وَإِفْضَالُهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَتَضَمَّنُ تَصْدِيقَهُ سُبْحَانَهُ وَتَأْيِيدَهُ، وَشَهَادَتَهُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً هُوَ رَسُولُ اللهِ حَقَّاً.

وَوَجْهُ المُنَاسَبَةِ بَيْنَ القَسَمِ وَالمُقْسَمِ عَلَيْهِ: هُوَ تَنْبِيهُ العُقَلَاءِ إلى الفَرْقِ الكَبِيرِ بَيْنَ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ في الجَاهِلِيَّةِ الجَهْلَاءِ، وَالضَّلَالَةِ الظَّلْمَاءِ، وَبَيْنَ النُّورِ السَّاطِعِ وَالضِّيَاءِ اللَّامِعِ، الذي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ الكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي عَقْلٍ وَرَوِيَّةٍ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الأَبْصَارِ الحِسِّيَّةِ الفَرْقُ بَيْنَ الضُّحَى وَبَيْنَ اللَّيْلِ إِذَا سَجَى.

وَكَمَا وَأَنَّ رَحْمَتَهُ سُبْحَانَهُ اقْتَضَتْ أَنْ لَا يَتْرُكَ عِبَادَهُ في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ سَرْمَدَاً، بَلْ هَدَاهُمْ بِضَوْءِ النَّهَارِ إلى مَصَالِحِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ، فَكَذَلِكَ اقْتَضَتْ رَحْمَتُهُ وَحِكْمَتُهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ عِبَادَهُ في ظُلْمَةِ الجَهْلِ وَتِيهِ الغَيِّ وَالضَّلَالِ، بَلْ يَهْدِيهِمْ بِأَنْوَارِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، إِلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَإِلَى مَا فِيهِ سَعَادَتُهُمْ في الأُولَى وَالآخِرَةِ.

قَالَ تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. الآيَةَ.

ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾. فَنَفَى سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ وَدَعَ نَبِيَّهُ وَحَبِيبَهُ، أَيْ: تَرَكَهُ، وَنَفَى أَنْ يَكُونَ قَلَاهُ، أَيْ: أَبْغَضَهُ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَيْفَ يَتْرُكُهُ وَقَدْ عَنَاهُ بِعِنَايَتِهِ الخَاصَّةِ مُنْذُ بَدْءِ الأَمْرِ، وَكَيْفَ يَقْلِيهِ ـ أَيْ: كَيْفَ يُبْغِضُهُ ـ وَقَدِ اتَّخَذَهُ حَبِيبَهُ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَتْرُوكٍ وَلَا مَقْلِيٍّ، بَلْ هُوَ في عِنَايَةِ اللهِ تعالى، كَمَا قَالَ: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾. وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَبِيبُ اللهِ الأَكْرَمُ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَمِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ: «أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللهِ وَلَا فَخْرَ».

ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾. وَفِي هَذَا تَعْمِيمٌ لِجَمِيعِ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ في التَّرَقِّي الدَّائِمِ، وَأَنَّ كُلَّ حَالَةٍ يَرْقَى لَهَا، هِيَ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الحَالِ التي قَبْلَهَا أَبَدَاً وَاسْتِمْرَارَاً، كَمَا أَنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ خَيْرٌ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَبْلَهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾. وَفِي هَذَا وَعْدٌ مُحَتَّمٌ مِنَ اللهِ تعالى، بِمَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَتَفْرَحُ بِهِ نَفْسُهُ، أَنْ يُعْطِيَهُ حَتَّى يَرْضَى، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الفَضْلِ الكَبِيرِ، وَالخَيْرِ الكَثِيرِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ تعالى.

وَيَدْخُلُ في جُمْلَةِ ذَلِكَ العَطَاءِ الإِلَهِيِّ: كَثْرَةُ أَتْبَاعِهِ فَوْقَ أَتْبَاعِ كُلِّ نَبِيٍّ، وَدُخُولُ النَّاسِ في دِينِهِ أَفْوَاجَاً، وَرَفْعُ ذِكْرِهِ، وَإِعْلَاءُ كَلِمَتِهِ، وَالنَّصْرُ عَلَى أَعْدَائِهِ بِإِلْقَاءِ الرُّعْبِ في قُلُوبِهِمْ، وَإِظْهَارُ دِينِهِ عَلَى الأَدْيَانِ، وَظُهُورُ سُلْطَانِهِ، وَسُطُوعُ بُرْهَانِهِ، وَإِعْطَاؤُهُ الحَوْضَ وَالكَوْثَرَ وَالمَقَامَ المَحْمُودَ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الشَّفَاعَةِ العُظْمَى وَالشَّفَاعَاتِ الخَاصَّةِ، وَمَقَامَ الوَسِيلَةِ وَالفَضِيلَةِ، إلى مَا هُنَالِكَ مِمَّا أَعَدَّ اللهُ تعالى لَهُ في الدَّارِ الآخِرَةِ مِنَ المَقَامَاتِ العَالِيَةِ، وَالمَرْتَبَةِ الزُّلْفَى، مِمَّا لَا يُحِيطُ بِعِلْمِهِ إِلَّا اللهُ تعالى.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 18/ ربيع الأول /1441هـ، الموافق: 15/ تشرين الثاني / 2019م