155ـ عناية الله به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ صغره (2)

155ـ عناية الله به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ صغره (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

الوَجْهُ الثَّانِي: مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ رَوَاهُ عَنْهُ البَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُ إِسْحَاقَ، كَمَا في شَرْحِ الزَّرْقَانِيِّ وَغَيْرِهِ ـ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ صَغِيرَاً عِنْدَ جَدِّهِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ضَلَّ في شِعَابِ مَكَّةَ، فَرَآهُ أَبُو جَهْلٍ مُنْصَرِفَاً مِنْ أَغْنَامِهِ، فَرَدَّهُ إلى جَدِّهِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ يَتَضَرَّعُ إلى اللهِ تعالى أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. انْظُرْ هَذَا القَوْلَ في تَفْسِيرِ الرَّازِيِّ، وَتَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَالمَوَاهِبِ للقَسْطَلَانِيِّ، وَغَيْرِهَا.

وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ إِرْجَاعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى جَدِّهِ عَلَى يَدِ أَبِي جَهْلٍ، فِرْعَوْنِ هَذِهِ الأُمَّةِ، يُشْبِهُ إِرْجَاعَ مُوسَى إلى أُمِّهِ عَلَى يَدِ فِرْعَونَ.

وَقِيلَ: ضَلَّ مَرَّةً أُخْرَى في شِعَابِ مَكَّةَ، فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَطَافَ عَبْدُ المُطَّلِبِ سَبْعَاً، وَتَضَرَّعَ إلى اللهِ تعالى، فَسَمِعُوا مُنَادِيَاً: يَا مَعْشَرَ النَّاسِ لَا تَضِجُّوا، فَإِنَّ لِمُحَمَّدٍ رَبَّاً لَا يَخْذُلُهُ وَلَا يُضَيِّعُهُ، وَإِنَّ مُحَمَّدَاً بِوَادِي تِهَامَةَ، عِنْدَ شَجَرَةِ السَّمُرِ، فَسَارَ عَبْدُ المُطَّلِبِ إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ قَائِمَاً تَحْتَ الشَّجَرَةِ.

فَيَكُونُ هَذَا مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ: ضَلَّ فُلَانٌ في طَرِيقِهِ، إِذَا سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِهِ المَقْصُودَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في بَيَانِ حُقُوقِ الطَّرِيقِ: «وَأَنْ تُغِيثُوا المَلْهُوفَ، وَأَنْ تَهْدُوا الضَّالَّ» الحَدِيثَ.

وَهَذَا القَوْلُ حَوْلَ الآيَةِ يَتَنَاسَبُ مَعَ سِيَاقِ الآيَةِ التي قَبْلَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمَاً فَآوَى﴾. حَيْثُ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَدِّدُ نِعَمَهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعِنَايَتَهُ بِهِ مُنْذُ حَدَاثَةِ سِنِّهِ إلى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ.

الوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى﴾. يُشِيرُ إلى الحَالَةِ التي مَرَّتْ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ البِعْثَةِ، وَهِيَ هَمُّهُ بِالسَّمَرِ، كَمَا يَسْمُرُ الشَّبَابُ، فَحَفِظَهُ اللهُ تعالى مِنْ ذَلِكَ وَأَلْقَى عَلَيْهِ النَّوْمَ. وَهَذَا القَوْلُ عَزَاهُ القَسْطَلَانِيُّ إلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، وَذَكَرَهُ القَاضِي عِيَاضٌ في الشِّفَا وَانْظُرْهُ في شَرْحِ القَارِي وَالخَفَاجِيُّ.

فَعَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا هَمَمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْمَلُونَ بِهِ غَيْرَ مَرَّتَيْنِ، كُلُّ ذَلِكَ يَحُولُ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَا أُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ مَا هَمَمْتُ بَعْدَهَا بِشَيْءٍ حَتَّى أَكْرَمَنِي اللهُ بِرِسَالَتِهِ».

قَالَ الحَافِظُ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ البَزَّارُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي هَذَا الحَدِيثُ قَرِيبَاً مُفَصَّلَاً. فِي بَحْثِ: حِفْظُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ مِنَ البَاطِلِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى﴾. أَيْ: وَجَدَكَ هَائِمَاً في مَحَبَّتِهِ تعالى، فَهَدَاكَ إلى نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ، فَهُوَ ضَلَالُ الهُيَامِ وَالاسْتِغْرَاقِ في المَحَبَّةِ الإِلَهِيَّةِ.

وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ تعالى عَنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، حِينَ قَالُوا لِأَبِيهِمْ: ﴿قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾. فَإِنَّهُمْ أَرَادُوا بِضَلَالِهِ:

هُيَامَهُ في يُوسُفَ، وَشَغَفَهُ بِهِ، وَلَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ ضَلَالَ الإِثْمِ وَالمَعْصِيَةِ قَطْعَاً، لِأَنَّ السِّيَاقَ يَنْفِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُمْ لَو أَرَادُوا بِذَلِكَ ضَلَالَ المَعْصِيَةِ أَو الإِثْمِ لَكَفَرُوا، لِأَنَّهُ طَعْنٌ في يَعْقُوبَ ـ الذي هُوَ نَبِيُّ اللهِ وَرَسُولِهِ ـ بِالفِسْقِ وَالمَعْصِيَةِ، وَذَلَكِ يُوجِبُ الكُفْرَ.

وَهُنَاكَ أَجْوِبَةٌ أُخْرَى عَنْ مَعْنَى آيَةِ: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالَّاً فَهَدَى﴾. مَذْكُورَةٌ في التَّفَاسِيرِ، وَشَرْحِ المَوَاهِبِ وَشَرْحِ الشِّفَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 25/ ربيع الأول /1441هـ، الموافق: 22/ تشرين الثاني / 2019م