684ـ خطبة الجمعة: ﴿أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾

684ـ خطبة الجمعة: ﴿أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مَصَائِبُنَا التي نَمُرُّ فِيهَا بِكُلِّ صَرَاحَةٍ وَوُضُوحٍ هِيَ مِنْ صُنْعِ أَيْدِينَا، وَاقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾. وَاقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ قَوْلَهُ تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾. وَلَيْسَ بِكُلِّهَا، لِأَنَّهُ لَو كَانَ بِكُلِّهَا لَمَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرَاً﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: قَدْ يُعَاقِبُ اللهُ تعالى العَبْدَ الظَّالِمَ بِمَنْ هُوَ أَظْلَمُ مِنْهُ، وَلَا أَحَدَ يَسْتَدْرِكُ عَلَى القَدَرِ، فَالقَدَرُ سِرُّ اللهِ تعالى، وَفِعْلُ اللهِ تعالى، وَإِرَادَةُ اللهِ تعالى، وَلَا أَحَدَ يَسْتَدْرِكُ عَلَيْهِ، قَدْ يُعَاقِبُ اللهُ تعالى الظَّالِمَ بِمَنْ هُوَ أَظْلَمُ مِنْهُ، وَقَدْ يُعَاقِبُ الفَاسِقَ بِالفَاجِرِ، وَلَا تَغْتَرُّوا بِإِمْهَالِ اللهِ تعالى للآخَرِينَ، فَإِنَّ اللهَ تعالى قَدْ يُعَجِّلُ بِالعُقُوبَةِ أَحَدَاً، وَيُؤَجِّلُ غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ أَظْلَمُ مِنْهُ، أَو أَكْفَرُ مِنْهُ.

وُجُوبُ الرُّجُوعِ إلى دِينِنَا:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الأَحْدَاثَ التي أَلَمَّتْ بِنَا مِنْ حَرْبٍ وَغَلَاءِ أَسْعَارٍ، وَظُلْمٍ فَاضِحٍ تَدْفَعُنَا إلى الرُّجُوعِ إلى دِينِنَا الحَنِيفِ الذي تَرَكَنَا عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

لَقَدْ أَصْبَحَ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ يَتَخَبَّطُ في وَسَطِ هَذِهِ الأَحْدَاثِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً يُرِيدُ الخُرُوجَ مِمَّا هُوَ فِيهِ، وَنَـسِيَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

وَنَسِيَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: بِدِينِنَا نَسْمُو وَنَعْلُو، بِدِينِنَا يُصْبِحُ لَنَا التَّمْكِينُ وَالعِزَّةُ، بِدِينِنَا نُحَاصِرُ وَلَا نُحَاصَرُ، بِدِينِنَا الذي عَلِمْنَا بِأَنَّ رَبَّنَا فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ، وَأَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، نَكُونُ أَقْوِيَاءَ أَعِزَّاءَ مُهَابِينَ، بِدِينِنَا نَسُودُ وَتَدْفَعُ لَنَا الجِزْيَةَ الأَعَاجِمُ، بِدِينِنَا نَتَحَقَّقُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾.

﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضَاً﴾

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا نَحْنُ فِيهِ يَدْفَعُ العُقَلَاءَ مِنَّا إلى البَحْثِ عَنِ الأَسْبَابِ التي أَوْصَلَتْنَا إلى وَصَلْنَا إِلَيْهِ، مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَرْبٍ وَدَمَارٍ وَغَلَاءِ أَسْعَارٍ، وَفِتَنٍ يَرْمُقُ بَعْضُهَا بَعْضَاً يَدْفَعُنَا للوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضَاً﴾. وَيَدْفَعُنَا للوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾. وَيَدْفَعُنَا للوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. يَدْفَعُنَا للوُقُوفِ أَمَامَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

مَا نَحْنُ فِيهِ يَدْفَعُنَا للوُقُوفِ أَمَامَ حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقَاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعَاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعَاً» رواه الإمام البخاري عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرَاً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

كُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءَاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾.

كُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلَاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدَاً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الأَحْدَاثَ التي أَلَمَّتْ بِنَا هِيَ بِاخْتِصَارٍ شَدِيدٍ، وَوُضُوحٍ تَامِّ لَا غُمُوضَ فِيهِ، بِسَبَبِ ذُنُوبِنَا وَمَعَاصِينَا، بِسَبَبِ عَدَمِ شُكْرِنَا في الرَّخَاءِ، وَعَدَمِ صَبْرِنَا في البَلَاءِ.

مَا أَصَابَنَا مِنْ حَرْبٍ مُدَمِّرَةٍ، وَغَلَاءٍ في الأَسْعَارِ، وَتَسَلُّطٍ مِنْ أَعْدَائِنَا، بِسَبَبِ ذُنُوبِنَا وَمَعَاصِينَا، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِإِصْلَاحِ أَحْوَالِنَا، وَبِفِرَارِنَا إلى اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿فَفِرُّوا إلى اللهِ﴾.

وَالفِرَارُ إلى اللهِ تعالى يَعْنِي الفِرَارَ إلى دِينِهِ وَطَاعَتِهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، وَالتَّخَلُّصَ مِنْ أَسْبَابِ سَخَطِ اللهِ تعالى، وَخَاصَّةً الرِّبَا، وَأَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَالسُّفُورَ، وَالتَّبَرُّجَ، وَالاخْتِلَاطَ، وَالاطِّلَاعَ عَلَى المَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ، وَغَدْرَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالنِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، إلى آخِرِ ذَلِكَ مِنَ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 9/ ربيع الثاني /1441هـ، الموافق: 6/ كانون الأول / 2019م