11ـ النجاسة المغلظة والنجاسة المخففة

11ـ النجاسة المغلظة والنجاسة المخففة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

المُغَلَّظُ مِنَ النَّجَاسَاتِ:

يُقَسِّمُ الفُقَهَاءُ النَّجَاسَاتِ إلى مُغَلَّظَةٍ وَمُخَفَّفَةٍ، فَالمُغَلَّظَةُ هِيَ مَا وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ لَمْ يُعَارَضْ بِنَصٍّ آخَرَ، فَإِنْ عَارَضَهُ نَصٌّ آخَرُ فَهِيَ نَجَاسَةٌ مُخَفَّفَةٌ، أَو هِيَ مَا اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى نَجَاسَتِهَا.

أَمَّا النَّجَاسَةُ المُخَفَّفَةُ فَهِيَ مَا اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ عَلَى نَجَاسَتِهَا وَطَهَارَتِهَا.

النَّجَاسَةُ الجَامِدَةُ وَالمَائِعَةُ:

وَقَسَّمَ الفُقَهَاءُ النَّجَاسَةَ كَذَلِكَ إلى جَامِدَةٍ، كَالمَيْتَةِ وَالغَائِطِ، وَمَائِعَةٍ كَالبَوْلٍ وَالمَذْيِ.

النَّجَاسَةُ المَرْئِيَّةُ وَغَيْرُ المَرْئِيَّةِ:

وَقَسَّمَ الفُقَهَاءُ كَذَلِكَ النَّجَاسَةَ إلى مَرْئِيَّةٍ وَغَيْرِ مَرْئِيَّةٍ، فَالمَرْئِيَّةُ التي تُرَى بِالعَيْنِ، وَغَيْرُ المَرْئِيَّةِ هِيَ النَّجَاسَةُ التي لَا تُرَى بِالعَيْنِ.

وَهَذِهِ التَّقْسِيمَاتُ تَظْهَرُ ثَمَرَتُهَا في كَيْفِيَّةِ التَّطْهِيرِ، وفي المِقْدَارِ المَعْفُوِّ عَنْهُ.

القَدْرُ المَعْفُوُّ عَنْهُ مِنَ النَّجَاسَةِ المُغَلَّظَةِ:

ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أَنَّ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مِنَ النَّجَاسَةِ المُغَلَّظَةِ كَالدَّمِ وَالبَوْلِ وَالخَمْرِ وَنَحْوِهَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ.

وَيُعْتَبَرُ بِالوَزْنِ مِنَ النَّجَاسَةِ المُغَلَّظَةِ المُتَجَسِّدَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ، وَالمُرَادُ بِالعَفْوِ، هُوَ العَفْوُ عَنْ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِهِ؛ وَإِلَّا فَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ بَاقِيَةٌ إِنْ بَلَغَتِ النَّجَاسَةُ المُغْلَّظَةُ الدِّرْهَمَ.

وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ تَنْزِيهَاً إِنْ لَمْ تَبْلُغِ الدِّرْهَمَ.

لِذَلِكَ يَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ إِذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَإِنْ زَادَتْ عَنِ الدِّرْهَمِ مَنَعَتْ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ المُغَلَّظَةُ مَائِعَةً فَالمَعْفُوُّ عَنْهُ مَا كَانَ قَدْرَ مُقَعَّرِ الكَفِّ دَاخِلَ مَفَاصِلِ الأَصَابِعِ وَمَا دُونَ، وَحُكْمُ الصَّلَاةِ فِيهَا كَالحُكْمِ في الجَامِدَةِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلى اعْتِبَارِ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ كَكَثِيرِهَا لَا يُعْفَى عَنْهَا، وَتَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ يَسِيرَةً جِدَّاً، بِحَيْثُ لَا تُدْرِكُهَا العَيْنُ، أَو لَا يُمْكِنُ الاحْتِرَازُ عَنْهَا.

القَدْرُ المَعْفُوُّ عَنْهُ مِنَ النَّجَاسَةِ المُخَفَّفَةِ:

النَّجَاسَةُ المُخَفَّفَةُ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ إِذَا لَمْ تَبْلُغْ رُبُعَ الثَّوْبِ، أَو دُونَ رُبُعِ العُضْوِ المُصَابِ كَاليَدِ وَالرِّجْلِ إِذَا كَانَ المُصَابُ يَدَاً؛ وَالنَّجَاسَةُ المُخَفَّفَةُ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَخُرْءِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ الطُّيُورِ.

وَيُعْفَى أَيْضَاً عَنْ دَمِ السَّمَكِ وَعَنْ لُعَابِ البَغْلِ وَالحِمَارِ، وَعَنْ طِينِ الشَّارِعِ مَا لَمْ تُرَ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَبُخَارٍ تَصَاعَدَ مِنْ نَجَسٍ، وَعَنْ رَشَاشِ النَّجَاسَةِ التي تَكُونُ مِثْلَ رُؤُوسِ الإِبَرِ.

كَيْفِيَّةُ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الحَقِيقِيَّةِ:

أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ المَوَاضِعَ التي تُزَالُ عَنْهَا النَّجَاسَاتُ الحَقِيقِيَّةُ هِيَ: الأَبْدَانُ، وَالثِّيَابُ، وَمَوَاطِنُ الصَّلَاةِ.

كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الغَسْلَ بِالمَاءِ الطَّاهِرِ المُطَهِّرِ هُوَ الأَصْلُ في إِزَالَةِ النَّجَاسَاتِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟

قَالَ: «تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا في تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ المَاءِ مِنَ المَائِعَاتِ، كَالخَلِّ، وَمَاءِ الزَّهْرِ، وَمَاءِ الوَرْدِ، وَمَا يُـعْصَرُ مِنَ الفَوَاكِهِ وَالنَّبَاتَاتِ؛ فَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى جَوَازِ ذَلِكَ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَمُحَمَّدُ وَزَفَر مِنَ الحَنَفِيَّةِ إلى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالمَاءِ.

ثُمَّ إِنَّ النَّجَاسَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَرْئِيَّةً أَوغَيْرِ مَرْئِيَّةٍ.

1ـ فَطَهَارَةُ النَّجَاسَةِ المَرْئِيَّةِ بِالغَسْلِ حَتَّى تَزُولَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ أَثَرِ النَّجَاسَةِ الذي يَـعْسُرُ زَوَالُهُ.

2ـ وَطَهَارَةُ النَّجَاسَةِ غَيْرِ المَرْئِيَّةِ بِالغَسْلِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الغَاسِلِ الطَّهَارَةُ.

3ـ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ نَجِسٍ إِذَا غُسِلَ في مَاءٍ جَارٍ يَطْهُرُ، سَوَاءٌ أَكَانَ ثَوْبَاً أَمْ آنِيَةً أَمْ حَيَوَانَاً، وَيَطْهُرُ في غَسْلِهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ العَصْرِ.

4ـ أَمَّا مَا يُغْسَلُ بِصَبِّ المَاءِ عَلَيْهِ فَطَهَارَتُهُ بِالغَسْلِ وَالعَصْرِ ثَلَاثَاً.

5ـ وَأَمَّا مَا لَا يُعْصَرُ كَالحَصِيرِ وَالسُّجَّادِ وَالخَشَبِ وَالآجِرِ وَالخَزفِ فَإِنَّهَا تَطْهُرُ بِالغَسْلِ وَالتَّجْفِيفِ ثَلَاثَاً، وَالمُرَادُ مِنَ التَّجْفِيفِ انْقِطَاعُ التَّقَاطُرِ، كَمَا تَطْهُرُ بِجَرَيَانِ المَاءِ عَلَيْهَا.

هذا، والله تعالى أعلم.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُفَقِّهَنَا في دِينِنَا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 2/ صفر الخير /1441هـ، الموافق: 30/أيلول / 2019م