16ـ الشيخ بشير الغزي رَحِمَهُ اللهُ تعالى

16ـ الشيخ بشير الغزي رَحِمَهُ اللهُ تعالى

 1274/1339هـ 1857/1921م

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

عَائِلَةُ الغَزِّيِّ بِحَلَبَ عَائِلَةُ عِلْمٍ وَأَدَبٍ، بَرَزَ فِيهَا الشَّيْخُ كَامِل الغَزِّيِّ مُؤَرِّخُ حَلَبَ وَصَاحِبُ كِتَابِ نَهْرِ الذَّهَبِ في تَارِيخِ حَلَبَ، كَمَا بَرَزَ فِيهَا أَخُوهُ لِأُمِّهِ الشَّيْخُ بَشِيرُ الغَزِّيِّ الذي نَحْنُ في صَدَدِ تَرْجَمَتِهِ، رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى جَمِيعَاً.

يَقُولُ الشَّيْخُ كَامِل الغَزِّيُّ في تَرْجَمَتِهِ لِأَخِيهِ الشَّيْخِ بَشِير الغَزِّيِّ: تُوُفِّيَ وَالِدِي الشَّيْخُ حَسَن البَالِي الغَزِّيُّ في اليَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ عُمُرِي، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ أُمِّي بَعْدَ أَبِي مِنَ الشَّيْخِ مُحَمَّد هِلَالٍ بْنِ مُحَمَّد الآلاجاتي، وَأَنْجَبَتْ مِنْهُ أَخِي الشَّيْخَ بَشِير الذي يَصْغُرُنِي بِأَرْبَعِ سَنَوَاتٍ؛ تَكَفَّلْتُ بِتَعْلِيمِهِ وَتَرْبِيَتِهِ حَتَّى عُرِفَ بِاسْمِ عَائِلَتِي بِالغَزِّيِّ.

وُلِدَ الشَّيْخُ بَشِير في عَامِ 1274هـ 1857م في مَدِينَةِ حَلَبَ، وَقَدْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِحِفْظِ القُرْآنِ، وَقَدْ أَتَمَّ مِنَ العُمُرِ سَبْعَ سَنَوَاتٍ، ثُمَّ عَكَفَ عَلَى المُطَالَعَةِ وَالدَّرْسِ، وَانْتَظَمَ في الثَّالِثَةَ عَـشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ في المَدْرَسَةِ السَّيَّافِيَّةِ.

كَانَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ سَرِيعَ الحِفْظِ، قَوِيَّ الذَّاكِرَةِ، حَفِظَ أَلْفِيَّةَ ابْنِ مَالِكٍ في أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ يَوْمَاً، كَمَا حَفِظَ كَمَّاً كَبِيرَاً مِنْ أَشْعَارِ العَرَبِ وَمُتُونِ الأَدَبِ وَالفِقْهِ أَيْضَاً.

انْتَقَلَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ إلى المَدْرَسَةِ الرِّضَائِيَّةِ وَهُنَاكَ بَدَأَ يَلْمَعُ نَجْمُهُ إِذْ كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، جَيِّدَ الأَدَاءِ وَالتَّجْوِيدِ للقُرْآنِ الكَرِيمِ، فَكَانَ النَّاسُ يَقْصِدُونَهُ في الجَامِعِ الكَبِيرِ لِسَمَاعِ تِلَاوَتِهِ أَثْنَاءَ صَلَاةِ الفَجْرِ.

حَصَّلَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ ثَقَافَةً مَوْسُوعِيَّةً في الفِقْهِ وَالحَدِيثِ وَالمَنْطِقِ وَالفَلْسَفَةِ وَالأَدَبِ، حَتَّى فَاقَ مُعَاصِرِيهِ، وَمَعَ كَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ في عُلُومٍ شَتَّى فَقَدْ وَجَّهَ عِنَايَتَهُ لِحِفْظِ مُتُونِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وَالدَّوَاوِينِ الشِّعْرِيَّةِ، وَالكُتُبِ الأَدَبِيَّةِ، حَتَّى أَنَّ أَقْرَانَهُ إِذَا أَرَادُوا البَحْثَ عَنِ اسْمِ شَيْءٍ وَلَمْ يَعْثُرُوا عَلَيْهِ في مَعَاجِمِ اللُّغَةِ وَفي المَوَاضِعِ التي يُظَنُّ وُجُودُ اسْمِ الشَّيْءِ فِيهَا سَأَلُوا الشَّيْخَ بَشِيرَ عَنْهُ فَيُجِيبُ عَلَى الفَوْرِ وَالبَدِيهَةِ بِأَنَّ اسْمَهُ كَذَا وَهُوَ مَوْجُودٌ في المَادَّةِ الفَلَانِيَّةِ مِنَ المُعْجَمِ الفَلَانِيِّ أَو في شِعْرِ فُلَانٍ.

وَمِنَ الغَرِيبِ أَنَّ الشَّيْخَ بَشِير الغَزِّيَّ لَمْ يَتَزَوَّجْ، فَقَدْ كَرَّسَ نَفْسَهُ للعِلْمِ وَمُلَازَمَةِ التَّدْرِيس في المَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ يُذَكِّرُنَا بِإِمَامِ الفِقْهِ وَالحَدِيثِ الإِمَامِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ شَرَفٍ النَّوَوِيِّ الدِّمَشْقِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَكَانَ أَخُوهُ الشَّيْخُ كَامِل كُلَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِ الزَّوَاجَ وَرَغَّبَهُ فِيهِ لَمْ يُعِرْهُ انْتِبَاهَاً، وَكَأَنَّهُ خُلِقَ للعِلْمِ وَالاجْتِهَادِ، فَكَانَ يَرَى الدُّنْيَا دَارَ مِحْنَةٍ وَابْتِلَاءٍ، نَعِيمُهَا زَائِلٌ، وَأَلَقُهَا سَرَابٌ بَاطِلٌ.

عُهِدَتْ إلى الشَّيْخِ بَشِير الغَزِّيِّ عِدَّةُ أَعْمَالٍ؛ مِنْهَا: أَمَانَةُ الفَتْوَى بِحَلَبَ، وَرَئِيسَاً لِمَحْكَمَةِ الحُقُوقِ بِحَلَبَ، وَقَاضِيَاً في المَحْكَمَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَخِيرَاً قَاضِي القُضَاةِ في دَوْلَةِ حَلَبَ.

للشَّيْخِ بَشِير الغَزِّيِّ عِدَّةُ مُؤَلَّفَاتٍ مَطْبُوعَةٍ؛ مِنْهَا رِسَالَةُ التَّجْوِيدِ، وَنَظْمُ الشَّمْسِيَّةِ في المَنْطِقِ، وَلَهُ شِعْرٌ جَمِيلٌ، يَقُولُهُ في المُنَاسَبَاتِ وَفي لِقَاءَاتِهِ مَعَ تَلَامِيذِهِ وَأَقْرَانِهِ.

وَمِنْ طَرَائِفِ شِعْرِهِ أَنَّ مُدِيرَ أَوْقَافِ حَلَبَ الشَّيْخَ إبْرَاهِيم الكلزيَّ بَنَى خَانَاً (فنْدُقَاً للمُسَافِرِينَ) في قَرْيَةِ كَفَر أَنْطُون في الطَّرِيقِ بَيْنَ حَلَبَ وَاسْكَنْدَرُونَ، وَلَمَّا أَتَمَّ بِنَاءَهُ دَعَا بَعْضَ أَصْدِقَائِهِ إِلَيْهِ عِنْدَ افْتِتَاحِهِ، ثُمَّ وَضَعَ لَهُمْ طَعَامَاً، فَأَكَلُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا لِيَنَامُوا في غُرَفِ الخَانِ، وَلَمَّا حَلَّ الظَّلَامُ هَجَمَتْ أَسْرَابُ البَعُوضِ وَالبَرَاغِيثِ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ النَّوْمَ، وَظَلَّ سَاهِرَاً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَهُوَ يَكْتُبُ قَصِيدَةً يَصِفُ فِيهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِقَصِيدَةٍ مَطْلَعُهَا:

يَا لَيْلَةً في كَفْرِ أَنْطُونَ بِهَا   ***   بِتْنَا عَلَى أَرْضٍ بِغَيْرِ لِحَافِ

فَكَانَتِ القَصِيدَةُ سَبَبَ سُرُورٍ لِأَصْدِقَائِهِ، وَمُضِيفِهِمْ الشَيْخِ إِبْرَاهِيم الكِلزِيِّ.

كَانَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ بَارِعَاً في اللُّغَةِ التُّرْكِيَّةِ، فَقَدْ تَرْجَمَ إلى العَرَبِيَّةِ شِعْرَ الشَّاعِرِ التُّرْكِيِّ رِضَا البَاشَا قَصِيدَتَهُ (تَرْجِيعُ بَنْدٍ) فَكَانَتْ قَصِيدَةً جَمِيلَةً سَمَّاهَا: حَدَائِقُ الرَّنْدِ في تَرْجَمَةِ تَرْجِيعِ بَنْدٍ.

كَانَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ كَثِيرَ العَطَاءِ مِنْ عُلُومِهِ لِكُلِّ مَنْ حَوْلَهُ، حَتَّى عُرِفَ عَنْهُ ذَلِكَ بَيْنَ أَقْرَانِهِ وَمُحِبِّيهِ، فَقَدْ تَرَبَّى عَلَى يَدَيْهِ تَلَامِيذُ كَثِيرُونَ مِثْلُ: الشَّيْخِ مُحَمَّد أَسْعَد العَبَه جي، وَالشَّيْخِ مُحَمَّد سَعِيد الإِدْلِبِيِّ، وَالشَّيْخِ مُحَمَّد النَّاشِدْ، وَالشَّيْخِ عِيسَى البيانوني، وَالشَّيْخِ رَاغِب الطَّبَّاخِ، وَالشَّيْخِ أَحْمَد الكُرْدِيُّ.

تُوُفِّيَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ بَعْدَ عُمُرٍ حَافِلٍ مَعَ العِلْمِ وَالعُلَمَاءِ عَامَ 1339هـ 1921م وَدُفِنَ في مَقْبَرَةِ الشَّيْخ جَاكِير، بَعْدَ أَنْ صَلَّى عَلَيْهِ تَلَامِذَتُهُ وَأَقْرَانُهُ مِنَ العُلَمَاءِ.

رَحِمَ اللهُ تعالى الشَّيْخَ بَشِير الغَزِّيَّ وَسَائِرَ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ؛ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

تاريخ الكلمة:

الخميس: 20/ جمادى الثانية /1439هـ، الموافق: 8/ آذار / 2018م

16ـ الشيخ بشير الغزي رَحِمَهُ اللهُ تعالى

 1274/1339هـ 1857/1921م

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

عَائِلَةُ الغَزِّيِّ بِحَلَبَ عَائِلَةُ عِلْمٍ وَأَدَبٍ، بَرَزَ فِيهَا الشَّيْخُ كَامِل الغَزِّيِّ مُؤَرِّخُ حَلَبَ وَصَاحِبُ كِتَابِ نَهْرِ الذَّهَبِ في تَارِيخِ حَلَبَ، كَمَا بَرَزَ فِيهَا أَخُوهُ لِأُمِّهِ الشَّيْخُ بَشِيرُ الغَزِّيِّ الذي نَحْنُ في صَدَدِ تَرْجَمَتِهِ، رَحِمَهُمُ اللهُ تعالى جَمِيعَاً.

يَقُولُ الشَّيْخُ كَامِل الغَزِّيُّ في تَرْجَمَتِهِ لِأَخِيهِ الشَّيْخِ بَشِير الغَزِّيِّ: تُوُفِّيَ وَالِدِي الشَّيْخُ حَسَن البَالِي الغَزِّيُّ في اليَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ عُمُرِي، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ أُمِّي بَعْدَ أَبِي مِنَ الشَّيْخِ مُحَمَّد هِلَالٍ بْنِ مُحَمَّد الآلاجاتي، وَأَنْجَبَتْ مِنْهُ أَخِي الشَّيْخَ بَشِير الذي يَصْغُرُنِي بِأَرْبَعِ سَنَوَاتٍ؛ تَكَفَّلْتُ بِتَعْلِيمِهِ وَتَرْبِيَتِهِ حَتَّى عُرِفَ بِاسْمِ عَائِلَتِي بِالغَزِّيِّ.

وُلِدَ الشَّيْخُ بَشِير في عَامِ 1274هـ 1857م في مَدِينَةِ حَلَبَ، وَقَدْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِحِفْظِ القُرْآنِ، وَقَدْ أَتَمَّ مِنَ العُمُرِ سَبْعَ سَنَوَاتٍ، ثُمَّ عَكَفَ عَلَى المُطَالَعَةِ وَالدَّرْسِ، وَانْتَظَمَ في الثَّالِثَةَ عَـشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ في المَدْرَسَةِ السَّيَّافِيَّةِ.

كَانَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ سَرِيعَ الحِفْظِ، قَوِيَّ الذَّاكِرَةِ، حَفِظَ أَلْفِيَّةَ ابْنِ مَالِكٍ في أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ يَوْمَاً، كَمَا حَفِظَ كَمَّاً كَبِيرَاً مِنْ أَشْعَارِ العَرَبِ وَمُتُونِ الأَدَبِ وَالفِقْهِ أَيْضَاً.

انْتَقَلَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ إلى المَدْرَسَةِ الرِّضَائِيَّةِ وَهُنَاكَ بَدَأَ يَلْمَعُ نَجْمُهُ إِذْ كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، جَيِّدَ الأَدَاءِ وَالتَّجْوِيدِ للقُرْآنِ الكَرِيمِ، فَكَانَ النَّاسُ يَقْصِدُونَهُ في الجَامِعِ الكَبِيرِ لِسَمَاعِ تِلَاوَتِهِ أَثْنَاءَ صَلَاةِ الفَجْرِ.

حَصَّلَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ ثَقَافَةً مَوْسُوعِيَّةً في الفِقْهِ وَالحَدِيثِ وَالمَنْطِقِ وَالفَلْسَفَةِ وَالأَدَبِ، حَتَّى فَاقَ مُعَاصِرِيهِ، وَمَعَ كَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ في عُلُومٍ شَتَّى فَقَدْ وَجَّهَ عِنَايَتَهُ لِحِفْظِ مُتُونِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وَالدَّوَاوِينِ الشِّعْرِيَّةِ، وَالكُتُبِ الأَدَبِيَّةِ، حَتَّى أَنَّ أَقْرَانَهُ إِذَا أَرَادُوا البَحْثَ عَنِ اسْمِ شَيْءٍ وَلَمْ يَعْثُرُوا عَلَيْهِ في مَعَاجِمِ اللُّغَةِ وَفي المَوَاضِعِ التي يُظَنُّ وُجُودُ اسْمِ الشَّيْءِ فِيهَا سَأَلُوا الشَّيْخَ بَشِيرَ عَنْهُ فَيُجِيبُ عَلَى الفَوْرِ وَالبَدِيهَةِ بِأَنَّ اسْمَهُ كَذَا وَهُوَ مَوْجُودٌ في المَادَّةِ الفَلَانِيَّةِ مِنَ المُعْجَمِ الفَلَانِيِّ أَو في شِعْرِ فُلَانٍ.

وَمِنَ الغَرِيبِ أَنَّ الشَّيْخَ بَشِير الغَزِّيَّ لَمْ يَتَزَوَّجْ، فَقَدْ كَرَّسَ نَفْسَهُ للعِلْمِ وَمُلَازَمَةِ التَّدْرِيس في المَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ يُذَكِّرُنَا بِإِمَامِ الفِقْهِ وَالحَدِيثِ الإِمَامِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ شَرَفٍ النَّوَوِيِّ الدِّمَشْقِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَكَانَ أَخُوهُ الشَّيْخُ كَامِل كُلَّمَا عَرَضَ عَلَيْهِ الزَّوَاجَ وَرَغَّبَهُ فِيهِ لَمْ يُعِرْهُ انْتِبَاهَاً، وَكَأَنَّهُ خُلِقَ للعِلْمِ وَالاجْتِهَادِ، فَكَانَ يَرَى الدُّنْيَا دَارَ مِحْنَةٍ وَابْتِلَاءٍ، نَعِيمُهَا زَائِلٌ، وَأَلَقُهَا سَرَابٌ بَاطِلٌ.

عُهِدَتْ إلى الشَّيْخِ بَشِير الغَزِّيِّ عِدَّةُ أَعْمَالٍ؛ مِنْهَا: أَمَانَةُ الفَتْوَى بِحَلَبَ، وَرَئِيسَاً لِمَحْكَمَةِ الحُقُوقِ بِحَلَبَ، وَقَاضِيَاً في المَحْكَمَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَخِيرَاً قَاضِي القُضَاةِ في دَوْلَةِ حَلَبَ.

للشَّيْخِ بَشِير الغَزِّيِّ عِدَّةُ مُؤَلَّفَاتٍ مَطْبُوعَةٍ؛ مِنْهَا رِسَالَةُ التَّجْوِيدِ، وَنَظْمُ الشَّمْسِيَّةِ في المَنْطِقِ، وَلَهُ شِعْرٌ جَمِيلٌ، يَقُولُهُ في المُنَاسَبَاتِ وَفي لِقَاءَاتِهِ مَعَ تَلَامِيذِهِ وَأَقْرَانِهِ.

وَمِنْ طَرَائِفِ شِعْرِهِ أَنَّ مُدِيرَ أَوْقَافِ حَلَبَ الشَّيْخَ إبْرَاهِيم الكلزيَّ بَنَى خَانَاً (فنْدُقَاً للمُسَافِرِينَ) في قَرْيَةِ كَفَر أَنْطُون في الطَّرِيقِ بَيْنَ حَلَبَ وَاسْكَنْدَرُونَ، وَلَمَّا أَتَمَّ بِنَاءَهُ دَعَا بَعْضَ أَصْدِقَائِهِ إِلَيْهِ عِنْدَ افْتِتَاحِهِ، ثُمَّ وَضَعَ لَهُمْ طَعَامَاً، فَأَكَلُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا لِيَنَامُوا في غُرَفِ الخَانِ، وَلَمَّا حَلَّ الظَّلَامُ هَجَمَتْ أَسْرَابُ البَعُوضِ وَالبَرَاغِيثِ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ النَّوْمَ، وَظَلَّ سَاهِرَاً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَهُوَ يَكْتُبُ قَصِيدَةً يَصِفُ فِيهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِقَصِيدَةٍ مَطْلَعُهَا:

يَا لَيْلَةً في كَفْرِ أَنْطُونَ بِهَا   ***   بِتْنَا عَلَى أَرْضٍ بِغَيْرِ لِحَافِ

فَكَانَتِ القَصِيدَةُ سَبَبَ سُرُورٍ لِأَصْدِقَائِهِ، وَمُضِيفِهِمْ الشَيْخِ إِبْرَاهِيم الكِلزِيِّ.

كَانَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ بَارِعَاً في اللُّغَةِ التُّرْكِيَّةِ، فَقَدْ تَرْجَمَ إلى العَرَبِيَّةِ شِعْرَ الشَّاعِرِ التُّرْكِيِّ رِضَا البَاشَا قَصِيدَتَهُ (تَرْجِيعُ بَنْدٍ) فَكَانَتْ قَصِيدَةً جَمِيلَةً سَمَّاهَا: حَدَائِقُ الرَّنْدِ في تَرْجَمَةِ تَرْجِيعِ بَنْدٍ.

كَانَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ كَثِيرَ العَطَاءِ مِنْ عُلُومِهِ لِكُلِّ مَنْ حَوْلَهُ، حَتَّى عُرِفَ عَنْهُ ذَلِكَ بَيْنَ أَقْرَانِهِ وَمُحِبِّيهِ، فَقَدْ تَرَبَّى عَلَى يَدَيْهِ تَلَامِيذُ كَثِيرُونَ مِثْلُ: الشَّيْخِ مُحَمَّد أَسْعَد العَبَه جي، وَالشَّيْخِ مُحَمَّد سَعِيد الإِدْلِبِيِّ، وَالشَّيْخِ مُحَمَّد النَّاشِدْ، وَالشَّيْخِ عِيسَى البيانوني، وَالشَّيْخِ رَاغِب الطَّبَّاخِ، وَالشَّيْخِ أَحْمَد الكُرْدِيُّ.

تُوُفِّيَ الشَّيْخُ بَشِير الغَزِّيُّ بَعْدَ عُمُرٍ حَافِلٍ مَعَ العِلْمِ وَالعُلَمَاءِ عَامَ 1339هـ 1921م وَدُفِنَ في مَقْبَرَةِ الشَّيْخ جَاكِير، بَعْدَ أَنْ صَلَّى عَلَيْهِ تَلَامِذَتُهُ وَأَقْرَانُهُ مِنَ العُلَمَاءِ.

رَحِمَ اللهُ تعالى الشَّيْخَ بَشِير الغَزِّيَّ وَسَائِرَ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ؛ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

تاريخ الكلمة:

الخميس: 20/ جمادى الثانية /1439هـ، الموافق: 8/ آذار / 2018م