170ـ حفظ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من الخطأ (7)

170ـ حفظ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من الخطأ (7)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَمَّا قَضِيَّةُ تَأْبِيرِ النَّخْلَ: فَقَدْ وَرَدَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالمُسْنَدِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ، فَقَالَ: «لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ».

قَالَ: فَخَرَجَ شِيصَاً.

فَمَرَّ بِهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا لِنَخْلِكُمْ؟».

قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا!.

قَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ».

فَمِنْ هَذَا الحَدِيثِ فَهِمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ يُخْطِئُ في أُمُورِ الدُّنْيَا، وَرَاحَ يَقُولُ: أَخْطَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في كَذَا وَأَخْطَأَ في كَذَا!!.

وَلَكِنَّ الحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَقْوَالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَفْعَالَهُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضَاً، وَيُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضَاً، وَأَنَّ اللهَ تعالى حَفِظَهُ عَنِ الخَطَأِ كَمَا حَفِظَهُ مِنَ الخَطِيئَةِ، فَنَقُولُ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ:

أولاً: إِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَشَأَ في تِلْكَ الأَرَاضِي المُبَارَكَةِ التي هِيَ مَنَابِتُ النَّخِيلِ، وَتَرَبَّى بَيْنَ قَوْمٍ يَعْلَمُونَ فُنُونَ زَرْعِ النَّخِيلِ، وَمَا يَتَطَلَّبُهُ مِنْ عِنَايَاتٍ وَلُقَاحَاتٍ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ في حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَخْفَى عَلَيْهِ تِلْكَ العَادَةُ المُطَّرِدَةُ في إِنْتَاجِ النَّخِيلِ، وَلُزُومُ التَّلْقِيحِ لَهُ بِمُوجَبِ الأُصُولِ الزِّرَاعِيَّةِ؟

في حِينِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ خَفَايَا مَعْلُومَاتِ الزِّرَاعَةِ لِشَجَرِ النَّخِيلِ، وَلَا مِنْ غَوَامِضِهَا؛ إِذَاً لَا بُدَّ وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ ذَلِكَ كَمَا يَعْلَمُونَ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ أَمْرَاً لَا يَسْتَطِيعُونَ نَيْلَهُ بِأَنْفُسِهِمْ.

ثانياً: إِنَّ الرَّسُولَ الكَرِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي نَالَ مِنَ العُلُومِ مَا نَالَ، وَأَفَاضَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ مَا أَفَاضَ، حَتَّى أَنَّهُ ذَكَرَ للصَّحَابَةِ وَبَحَثَ لَهُمْ في كُلِّ شَيْءٍ.

كَمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تَرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلَّا وَهُوَ ذَكَرَ لَنَا مِنْهُ عِلْمَاً.

فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّخِيلَ يَحْتَاجُ إلى تَلْقِيحٍ بِمـُقْتَضَى العَادَةِ في عِلْمِ الزِّرَاعَةِ؟ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَمْرَاً آخَرَ.

ثالثاً: إِنَّ الذي يَدُلُّنَا عَلَى ذَلِكَ الأَمْرِ الآخَرِ الذي أَرَادَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ النَّظَرُ في أَشْبَاهِ هَذِهِ الوَاقِعَةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ».

فَفِي المُسْنَدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَبُو رَافِعٍ القِبْطِيُّ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَسْلَمَ وَمَاتَ في أَوَّلِ خِلَافَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ. اهـ. مِنْ شَرْحِ الزَّرْقَانِيِّ)

قَالَ: صُنِعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ فَأُتِيَ بِهَا.

فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا رَافِعٍ، نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ (الذِّرَاعُ: هُوَ اليَدُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ، وَلَكِنَّهُ مِنَ الإِنْسَانِ مِنْ طَرَفِ المِرْفَقِ إلى طَرَفِ الأُصْبُعِ الوُسْطُى، يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ، وَمِنَ البَقَرِ وَالغَنَمِ: مَا فَوْقَ الكِرَاعِ، وَهُوَ المُرَادُ هُنَا. اهـ. مِنَ الزَّرْقَانِيِّ) فَنَاوَلْتُهُ

ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا رَافِعٍ، نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ». فَنَاوَلْتُهُ.

ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا رَافِعٍ، نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ».

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ لِلشَّاةِ إِلَّا ذِرَاعَانِ؟!

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي مِنْهَا ذِرَاعَاً مَا دَعَوْتُ بِهِ».

قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الذِّرَاعُ.

قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طُرُقٍ، وَقَالَ فِي بَعْضِهَا: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُصْلِيَ لَهُ شَاةً فَصَلَيْتُهَا.

وَرَوَاهُ فِي الْأَوْسَطِ بِاخْتِصَارٍ، وَأَحَدُ إِسْنَادَيْ أَحْمَدَ حَسَنٌ. اهـ.

وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ (قَالَ في شَرْحِ المَوَاهِبِ: أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَهُ الحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِيمَنْ لَمْ يُعْرَفِ اسْمُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، هَكَذَا في نُسَخِ المُصَنَّفِ: أَبِي عُبَيْدٍ، بِلَا هَاءٍ عَلَى المَعْرُوفِ، وَلَعَلَّهُ الوَاقِعُ عِنْدَ الدَّارَمِيِّ وَإِلَّا فالذي في التِّرْمِذِيِّ: أَبِي عُبَيْدَةَ بِهَاءٍ، قَالَ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ: هَكَذَا في أَصْلِ سَمَاعِنَا مِنْ كِتَابِ الشَّمَائِلِ: أَبِي عُبَيْدَةَ بِزِيَادَةِ تَاءِ التَّأْنِيثِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ المزي في الأَطْرَافِ. اهـ).

أَنَّهُ طَبَخَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قِدْرَاً فِيهَا لَحْمٌ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَاوِلْنِي ذِرَاعَهَا». فَنَاوَلْتُهُ.

فَقَالَ: «نَاوِلْنِي ذِرَاعَهَا». فَنَاوَلْتُهُ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَاوِلْنِي ذِرَاعَهَا».

فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَمْ لِلشَّاةِ مِنْ ذِرَاعٍ؟

فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ سَكَتَّ لَأَعْطَيْتَ ذِرَاعَاً مَا دَعَوْتُ بِهِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَهَذِهِ القِصَّةُ غَيْرُ التي تَقَدَّمَتْ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ وَغَيْرُهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 25/ جمادى الأولى /1441هـ، الموافق: 20/ كانون الثاني / 2020م