166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

166ـ حب سيدنا الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ حُبَّ اللهِ تعالى، وَحُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِيَانِ للإِنْسَانِ الكَمَالَ وَالشَّرَفَ وَالعِزَّةَ وَالرِّفْعَةَ وَالمَكَانَةَ، بَلْ يُعْطِيَانِ الُمؤْمِنَ القُدْرَةَ عَلى الثَّبَاتِ عَلى الحَّقِ فِي أَصْعَبِ الـمَوَاقِفِ وَأَشَدِّهَا، حُبُّ اللهِ تعالى جَعَلَ سَحَرَةَ فِرْعَوْنَ يَتَحَوَّلُونَ إلى رِجَالٍ يَضْرِبُونَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ في صِدْقِ مَحَبَّةِ اللهِ تعالى، إِذْ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾.

وَهَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ، كَمَا ذَكَرْنَا قِصَّةَ سَيِّدِنَا الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَمَا قَامَ عَمُّهُ بِتَعْلِيقِهِ في حَصِيرٍ، وَدَخَّنَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ حَتَّى يَكْفُرَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الزُّبَيْرُ ابْنَ ثَمَانِ سِنِينَ، فَمَا كَانَ مِنْ سَيِّدِنَا الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي ذَاقَ حُبَّ اللهِ تعالى وَحُبَّ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ قَالَ لِعَمِّهِ: وَاللهِ لَا أَكْفُرُ أَبَدَاً.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنَ المَعْلُومِ بِأَنَّ جَزَاءَ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يُحَبَّ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ تعالى في أَحْبَابِهِ ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾. وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

حُبُّ سَيِّدِنَا الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَحَبَّ سَيِّدُنَا الزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَحَبَّةَ رَحِمٍ وَقَرَابَةٍ، وَمَحَبَّةَ مُؤْمِنٍ لِرَسُولِهِ وَنَبِيِّهِ وَقُدْوَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ سَيِّدُنَا الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَادِقَ المَحَبَّةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ حُبُّهُ حُبَّ إِيثَارٍ وَتَضْحِيَةٍ وَفِدَاءٍ، روى الحاكم عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَتْ نَفْحَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ أَنَّ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُخِذَ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ الزُّبَيْرُ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةَ، فَخَرَجَ بِالسَّيْفِ مَسْلُولَاً حَتَّى وَقَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟».

ـ وفي تَارِيخِ دِمَشْقَ لِابْنِ عَسَاكِرَ: فَخَرَجَ عُرْيَانَاً مَا عَلَيْهِ شَيْءٌ في يَدِهِ السَّيْفُ صَلْتَاً ـ.

فَقَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ مَنْ أَخَذَكَ.

فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلِسَيْفِهِ، وَكَانَ أَوَّلَ سَيْفٍ سُلَّ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وفي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَوَّلَ رَجُلٍ سَلَّ سَيْفَاً فِي سَبِيلِ اللهِ الزُّبَيْرُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ نَفَحَتْ نَفْحَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ: أُخِذَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ؛ فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ يَشُقُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ وَرَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ بِأَعْلَى مَكَّةَ.

قَالَ: فَلَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا زُبَيْرُ؟».

قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّكَ أُخِذْتَ؟

قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ وَلِسَيْفِهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِالقِتَالِ وَهُوَ في مَكَّةَ قَبْلَ الهِجْرَةِ، بَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَصَحْبُهُ مَأْمُورِينَ بِالصَّبْرِ وَكَفِّ اليَدِ ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾.

وَلَكِنَّ سَيِّدَنَا الزُّبَيْرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يَتَحَمَّلْ عِنْدَمَا سَمِعَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَيْنَ حُبُّنَا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وَمِنْ عَلَامَاتِ صِدْقِ المَحَبَّةِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نَكُونَ سَبَبَاً للطَّعْنِ في دِينِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ بِسُوءِ الأَخْلَاقِ، وَسُوءِ الالْتِزَامِ بِهَذَا الشَّرْعِ الحَنِيفِ؛ المُحِبُّ الصَّادِقُ هُوَ الذي يُعْطِي أَجْمَلَ وَأَكْمَلَ صُورَةٍ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي قَالَ خَالِقُهُ فِيهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. صَادِقُ المَحَبَّةِ لَا يَكُونُ سَبَبَاً في أَنْ يُؤْتَى الإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِهِ، روى المروزي عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَرْثَدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَغْرَةٍ مِنْ ثُغَرِ الْإِسْلَامِ، اللهَ اللهَ لَا يُؤْتَى الْإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِكَ».

«فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ حُبَّ سَيِّدِنَا الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ، بَلْ كَانَ الحُبُّ مُتَبَادَلَاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ جَزَاءَ المُحِبِّ أَنْ يُحَبَّ.

روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ كُنْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي الْأُطُمِ ـ الحِصْنُ ـ الَّذِي فِيهِ نِسَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أُطُمِ حَسَّانَ، فَكَانَ يَرْفَعُنِي وَأَرْفَعُهُ، فَإِذَا رَفَعَنِي عَرَفْتُ أَبِي حِينَ يَمُرُّ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ يُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: «مَنْ يَأْتِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَيُقَاتِلَهُمْ؟».

فَقُلْتُ لَهُ حِينَ رَجَعَ: يَا أَبَتِ، تَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأعْرِفُكَ حِينَ تَمُرُّ ذَاهِبَاً إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.

فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَمَا وَاللهِ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيَجْمَعُ لِي أَبَوَيْهِ جَمِيعَاً يتفداني بِهِمَا (يَفْدِينِي) يَقُولُ: «فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السَّعِيدُ المُكَرَّمُ مَنْ أَحَبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَحَبَّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، السَّعِيدُ المُكَرَّمُ مَنْ سَارَ سَيْرَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ في صِدْقِ مَحَبَّتِهِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

مَا أَجْمَلَ هَذَا الحَبِيبَ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ! وَمَا أَجْمَلَ تَوَاضُعَهُ! لَقَدْ غَرَسَ في نُفُوسِ صَحَابَتِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ حُبَّهُ، وَبَادَلَهُمْ حُبَّاً بِحُبٍّ، لَقَدْ أَضْفَى عَلَيْهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ رُوحِهِ الطَّاهِرَةِ وَقَلْبِهِ الزَّكِيِّ وَكَمَالِهِ حَتَّى جَعَلَهُمْ نَمَاذِجَ حَيَّةً لِسِيرَتِهِ العَطِرَةِ، وَأَخْلَاقِهِ الزَّكِيَّةِ، حَتَّى صَارُوا مَحَلَّ رِضْوَانِ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدَاً يَبْتَغُونَ فَضْلَاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانَاً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرَاً عَظِيمَاً﴾.

اللَّهُمَّ أَلْحِقْنَا بِهِمْ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**   **   **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 14/ جمادى الأولى /1441هـ، الموافق: 9/ كانون الثاني / 2020م