28ـ تعوذه صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر

28ـ تعوذه صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ في كِتَابِهِ (الإِيمَانُ بِعَوَالِمِ الآخِرَةِ وَمَوَاقِفِهَا):

تَعَوُّذُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَأَمْرُهُ بِذَلِكَ

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ في آخِرِ صَلَاتِهِ، وَفي ذَلِكَ تَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ أَنْ يَتَعَوَّذُوا بِاللهِ تعالى مِنْ عَذَابِ القَبْرِ في أَقْرَبِ أَحْوَالِهِمْ إلى رَبِّهِمْ، وَهَذَا حَالُ الصَّلَاةِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِفَظَاعَةِ عَذَابِ القَبْرِ وَشِدَّةِ هَوْلِهِ:

روى الشيخان عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا، وَفِتْنَةِ المَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ».

وروى الترمذي عَنْ أَبِي بَكَرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ في دُبُرِ الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْفَقْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ».

كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ في كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ:

فَقَدْ جَاءَ في: (صَحِيحِ) مسلم وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ في دُعَائِهِ كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ: «رَبِّ أَعُوذُ بِكَ منْ عذَابٍ في النَّارِ، وَعَذَابٍ في القَبْرِ» الحديث.

وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».

الأَسْبَابُ المُنْجِيَةُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ:

أولاً: البُعْدُ عَنْ أَسْبَابِ عَذَابِ الْقَبْرِ التي تَقَدَّمَ بَيَانُ بَعْضِهَا، وَالتَّطَهُّرُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَشُرُوطُهَا: النَّدَمُ عَلَى فِعْلِ الذَّنْبِ، وَالإِقْلَاعُ عَنْهُ، وَالعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلى فِعْلِهِ.

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾.

ثانياً: مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ: المَوْتُ في سَبِيلِ اللهِ تعالى، وَالمُرَابَطَةُ في سَبِيلِ اللهِ تعالى:

روى الإمام مسلم عَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» أَيْ: مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ وَمِحْنَتِهِ، وَعَذَابِهِ وَشِدَّتِهِ.

وَعَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِلشَّهِيدِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ مِنْ أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيَشَفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ».

رواه ابن ماجه، والترمذي، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ.

ثالثاً: المُوَاظَبَةُ عَلَى تِلَاوَةِ سُورَةِ تَبَارَكَ المُلْك كُلَّ لَيْلَةٍ:

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ضَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خِبَاءَهُ عَلَى قَبْرٍ ـ وَهُوَ لَا يَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ، فَإِذَا قَبْرُ إِنْسَانٍ يَقْرَأُ سُورَةَ المُلْكِ حَتَّى خَتَمَهَا، فَأَتَى الرَّجُلُ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ضَرَبْتُ ـ أَيْ: نَصَبْتُ وَوَضَعْتُ ـ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ، وَأَنَا لَا أَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ، فَإِذَا قَبْرُ إِنْسَانٍ يَقْرَأُ سُورَةَ المُلْكِ حَتَّى خَتَمَهَا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ ـ أَيْ: سُورَةُ المُلْكِ ـ المَانِعَةُ، هِيَ المُنْجِيَةُ، تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ» رواه الترمذي وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وروى النسائي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ قَرَأَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ كُلَّ لَيْلَةٍ مَنَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ؛ قَالَ: وَكُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نُسَمِّيهَا الْمَانِعَةَ، وَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سُورَةٌ، مَنْ قَرَأَ بِهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطَابَ) اهـ. من: (ترغيب) المنذري.

رابعاً: الإكْثَارُ مِنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ:

فَقَد روى الطَّبَرَانِيُّ، والبيهقي، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ، وَلَا مَنْشَرِهِمْ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَهُمْ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُؤُوسِهِمْ، وَيَقُولُونَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبُ عَنَّا الْحَزَنَ».

وَفِي رِوَايَةٍ: «لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْشَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَا عِنْدَ الْقَبْرِ».

وَقَدْ رَوَى الحَافِظُ الفَقِيهُ المَالِكِيُّ، الزَّاهِدُ الوَرِعُ، الشَّيْخُ عَبْدُ الحَقِّ الإِشْبِيلِيُّ، عَنِ الإِمَامِ جَعْفَر الصَّادِقِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ البَاقِرِ، عَنْ أَبِيهِ زَيْنِ العَابِدِينَ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَعَنَّا بِهِمْ، يَرْفَعُهُ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ كُلَّ يَوْمٍ وَكُلًّ لَيْلَةٍ مِائَةَ مَرَّةٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، كَانَ لَهُ أَمَانَاً مِنَ الْفَقْرِ، وَأُنْسَاً مِنْ وَحْشَةِ الْقَبْرِ، وَاسْتُفْتِحَ بِهِ الْغِنَى، وَاسْتُقْرِعَ بِهِ بَابُ الْجَنَّةِ».

وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَالدَّيْلَمِيُّ، وَالخَطِيبُ في رِوَايَةِ مَالِكٍ كَمَا في: (المَوَاهِبِ) وَشَرْحِهَا:

وَقَالَ بَعْضُ رُوَاتِهِ: لًو رَحَلْتُمْ في تَحْصِيلِ هَذَا الحَدِيثِ إلى الصِّينِ مَا كَانَ كَثِيرَاً، أَيْ: لِفَضْلِ رُوَاتِهِ، وَشَرَفِ سَنَدِهِ.

خامساً: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ القَبْرِ» رواه الترمذي وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ.

وروى الحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعَاً: «مَنْ مَاتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أُجِيرَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ»

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 26/ شوال /1441هـ، الموافق: 182/ حزيران / 2020م