21ـ أقوال العارفين في فائدة الصحبة (4)

21ـ أقوال العارفين في فائدة الصحبة (4)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدِي العَارِفُ بِاللهِ تعالى، المُرْشِدُ الكَبِيرُ، سَيِّدِي وَمَوْلَايَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى، في كِتَابِهِ: حَقائِقُ عَنِ التَّصَوُّفِ:

الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر الجَيْلَانِيُّ:

وَيَقُولُ صَاحِبُ العَيْنِيَّةِ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر الجَيْلَانِيُّ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ:

وَإِنْ سَاعَدَ المَقْدُورُ أَو سَاقَكَ القَضَا    ***   إلى شَيْخِ حقٍّ في الحَقِيقَةِ بَــــارِعُ

فَـقُـمْ في رِضَـاهُ وَاتَّـبِـــعْ لِـمُـرَادِهِ    ***   وَدَعْ كُلَّ مَا مِنْ قَبْلُ كُنْتَ تُسَارِعُ

وَلَا تَـعْـتَـرِضْ فِيمَا جَهِلْتَ مِنْ امْرِهِ   ***   عَلَيْهِ فَإِنَّ الاعْـتِـرَاضَ تَـنَـــازُعُ

فَـفِـي قِـصَّـةِ الخَـضِرِ الكَرِيمِ كِفَايَةٌ    ***   بِقَتْلِ غُــــلَامٍ وَالكَلِيمُ يـُدَافِـعُ

فَـلَـمَّا أَضَـاءَ الـصُّـبْـحُ عَنْ لَيْلِ سِرِّهِ   ***   وَسَلَّ حُسَاماً لِلغَيَاهِبِ قَـاطِـعُ

أَقَـامَ لَـهُ الـعُـذْرَ الـكَـــلِـيـــمُ وَإِنَّهُ   ***   كَـذَلِـكَ عِلْمُ القَوْمِ فِيهِ بَدَائِـعُ

الشَّيْخُ عَبْدُ الوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ:

قَالَ العَالِمُ الرَّبَّانِيُّ الشَّيْخُ عَبْدُ الوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ في كِتَابِهِ "العُهُودُ الـمُحَمَّدِيَّةُ": (أُخِذَ عَلَيْنَا العَهْدُ العَامُّ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنْ نُوَاظِبَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ كُلِّ وُضُوءٍ، بِشَرْطِ أَلَّا نُحَدِّثَ فِيهِمَا أَنْفُسَنَا بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، أَو بِشَيْءٍ لَمْ يُشْرَعْ لَنَا في الصَّلَاةِ. وَيَحْتَاجُ مَنْ يُرِيدُ العَمَلَ بِهَذَا العَهْدِ إِلَى شَيْخٍ يَسْلُكُ بِهِ، حَتَّى يَقْطَعَ عَنْهُ الخَوَاطِرَ الـمُشْغِلَةَ عَنْ خِطَابِ اللهِ تَعَالَى).

ثُمَّ قَالَ: فَاسْلُكْ يَا أَخِي عَلَى يَدِ شَيْخٍ نَاصِحٍ، يَشْغَلُكَ بِاللهِ تَعَالَى، حَتَّى يَقْطَعَ عَنْكَ حَدِيثَ النَّفْسِ في الصَّلَاةِ كَقَوْلِكَ: أَرُوحُ لِكَذَا، أَفْعَلُ كَذَا، أَقُولُ كَذَا، أَو نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَمِنْ لَازِمِكَ حَدِيثُ النَّفْسِ في الصَّلَاةِ، وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ لَكَ مِنْهُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، لَا فَرْضَ وَلَا نَفْلَ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُرِيدَ الوُصُولَ إِلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ شَيْخٍ، كَمَا عَلَيْهِ طَائِفَةُ الـمُجَادِلِينَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ لَكَ أَبَداً.

وَقَالَ الشَّيْخُ الشَّعْرَانِيُّ أَيْضَاً: (وَكَانَتْ صُوَرُ مُجَاهَدَاتِي لِنَفْسِي مِنْ غَيْرِ  شَيْخٍ أَنَّنِي كُنْتُ أُطَالِعُ كُتُبَ القَوْمِ كَـ "رِسَالَةِ القُشَيْرِيِّ"، وَ"عَوَارِفِ الـمَعَارِفِ" وَ"القُوتِ" لِأَبِي طَالِبٍ الـمَكِّيِّ وَ"الإِحْيَاءِ" للغَزَالِيِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَعْمَلُ بِمَا يَنْقَدِحُ لِي مِنْ طَرِيقِ الفَهْمِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يَبْدُو لِي خِلَافُ ذَلِكَ فَأَتْرُكُ الأَمْرَ الأَوَّلَ وَأَعْمَلُ بِالثَّانِي... وَهَكَذَا، فَكُنْتُ كَالذي يَدْخُلُ دَرْبَاً لَا يَدْرِي هَلْ يَنْفُذُ أَمْ لَا؟ فَإِنْ رَآهُ نَافِذَاً خَرَجَ مِنْهُ، وَإِلَّا رَجَعَ، وَلَو أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِمَنْ يُعَرِّفُهُ أَمْرَ الدَّرْبِ قَبْلَ دُخُولِهِ لَكَانَ بَيَّنَ لَهُ أَمْرَهُ وَأَرَاحَهُ مِنَ التَّعَبِ. فَهَذَا مِثَالُ مَنْ لَا شَيْخَ لَهُ، فَإِنَّ فَائِدَةَ الشَّيْخِ إِنَّمَا هِيَ اخْتِصَارُ الطَّرِيقِ للمُرِيدِ، وَمَنْ سَلَكَ مِنْ غَيْرِ شَيْخٍ تَاهَ، وَقَطَعَ عُمُرَهُ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَقْصُودِهِ، لِأَنَّ مِثَالَ الشَّيْخِ مِثَالُ دَلِيلِ الحُجَّاجِ إِلَى مَكَّةَ في اللَّيَالِي الـمُظْلِمَةِ).

وَقَالَ أَيْضَاً: (وَلَو أَنَّ طَرِيقَ القَوْمِ يُوصَلُ إِلَيْهَا بِالفَهْمِ مِنْ غَيْرِ شَيْخٍ يَسِيرُ بِالطَّالِبِ فِيهَا لَمَا احْتَاجَ مِثْلُ حُجَّةِ الإِسْلَامِ الإِمَامُ الغَزَالِيُّ وَالشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَخْذَ أَدَبِهِمَا عَنْ شَيْخٍ مَعَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ قَبْلَ دُخُولِهِمَا طَرِيقَ القَوْمِ: كُلُّ مَنْ قَالَ: إِنَّ ثَمَّ طَرِيقَاً للعِلْمِ غَيْرَ مَا بِأَيْدِينَا فَقَدِ افْتَرَى عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا دَخَلَا طَرِيقَ القَوْمِ كَانَا يَقُولَانِ: قَدْ ضَيَّعْنَا عُمُرَنَا في البَطَالَةِ وَالحِجَابِ، وَأَثْبَتَا طَرِيقَ القَوْمِ وَمَدَحَاهَا).

ثُمَّ قَالَ: (وَكَفَى شَرَفَاً لِأَهْلِ الطَّرْيقِ قَوْلُ السَّيِّدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ للخَضِرِ: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾ [الكهف: 66].

وَاعْتِرَافُ الإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ لِأَبِي حَمْزَةَ البَغْدَادِيِّ بِالفَضْلِ عَلَيْهِ، وَاعْتِرَافُ الإِمَامِ أَحْمَد بْنِ سَرِيجٍ رَحِمَهُ اللهُ لِأَبِي القَاسِمِ الجُنَيْدِ، وَطَلَبُ الإِمَامُ الغَزَالِيُّ لَهُ شَيْخَاً يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ حُجَّةَ الإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ طَلَبُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَهُ شَيْخَاً مَعَ أَنَّهُ لُقِّبَ بِسُلْطَانِ العُلَمَاءِ... وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: مَا عَرَفْتُ الإِسْلَامَ الكَامِلَ إِلَّا بَعْدَ اجْتِمَاعِي عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَانِ الشَّيْخَانِ قَدِ احْتَاجَا إِلَى الشَّيْخِ مَعَ سَعَةِ عِلْمِهِمَا بِالشَّرِيعَةِ فَغَيْرُهُمَا مِنْ أَمْثَالِنَا مِنْ بَابِ أَوْلَى).

أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ:

قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ: (لَو أَنَّ رَجُلَاً جَمَعَ العُلُومَ كُلَّهَا وَصَحِبَ طَوَائِفَ النَّاسِ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ الرِّجَالِ إِلَّا بِالرِّيَاضَةِ مِنْ شَيْخٍ مُؤَدِّبٍ نَاصِحٍ، وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْ أَدَبَهُ عَنْ آمِرٍ لَهُ وَنَاهٍ، يُرِيهِ عُيُوبَ أَعْمَالِهِ، وَرُعُونَاتِ نَفْسِهِ، لَا يَجُوزُ الاقْتِدَاءُ بِهِ في تَصْحِيحِ الـمُعَامَلَاتِ).

أَبُو مَدْيَنَ:

وَقَالَ أَبُو مَدْيَنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (مَنْ لَمْ يَأْخُذِ الآدَابَ مِنَ الـمُتَأَدِّبِينَ، أَفْسَدَ مَنْ يَتْبَعُهُ).

الشَّيْخُ أَحْمَد زَرُّوق:

قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد زَرُّوق رَحِمَهُ اللهُ في قَوَاعِدِهِ: (أَخْذُ العِلْمِ وَالعَمَلِ عَنِ الـمَشَايِخِ أَتَمُّ مِنْ أَخْذِهِ دُونَهُم ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت: 49] ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ [لقمان: 15]، فَلَزِمَتِ الـمَشْيَخَةُ، سِيَّمَا وَالصَّحَابَةُ أَخَذُوا عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَدْ أَخَذَ هُوَ عَنْ جِبْرِيلَ، وَاتَّبَعَ إِشَارَتَهُ في أَنْ يَكُونَ عَبْدَاً نَبِيَّاً، وَأَخَذَ التَّابِعُونَ عَنِ الصَّحَابَةِ.

فَكَانَ لِكُلٍّ أَتْبَاعٌ يَخْتَصُّونَ بِهِ كَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ الـمُسَيَّبِ وَالأَعْرَجِ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَاوُسَ وَوَهْبٍ وَمُجَاهِدٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

فَأَمَّا العِلْمُ وَالعَمَلُ فَأَخْذُهُ جَلِيٌّ فِيمَا ذَكَرُوا كَمَا ذَكَرُوا.

وَأَمَّا الإِفَادَةُ بِالهِمَّةِ وَالحَالِ، فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا أَنَسٌ بِقَوْلِهِ: (مَا نَفَضْنَا التُّرَابَ عَنْ أَيْدِينَا مِنْ دَفْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا)

رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَلَفْظُهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الذي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ الـمَدِينَةَ، أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الذي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَمَا نَفَضْنَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الأَيْدِي حَتَّى أَنْكَرْنَا ُقُلُوبَنَا).

فَأَبَانَ أَنَّ رُؤْيَةَ شَخْصِهِ الكَرِيمِ كَانَتْ نَافِعَةً لَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ، إِذْ مَنْ تَحَقَّقَ بِحَالَةٍ لَمْ يَخْلُ حَاضِرُوهُ مِنْهَا، فَلِذَلِكَ أُمِرَ بِصُحْبَةِ الصَّالِحِينَ، وَنُهِىَ عَنْ صُحْبَةِ الفَاسِقِينَ).

رَحِمَ اللهُ تعالى شَيْخَنَا رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَجَزَى اللهُ تعالى خَيْرَ الجَزَاءِ مَنْ قَالَ في حَقِّهِ:

وَعَـلَى أَبِي أَيُّـوبَ حَلَّ فَـقِيدُنَا    ***   ضَـيْـفَـاً فَـكَـانَ لَـهُ المَقَامُ الأَرْفَعُ

بِـجِوَارِ مَنْ نَزَلَ الحَبِيبُ بِدَارِهِ    ***   وَاخْتَارَهُ بِـالـفَـضْـلِ رَبٌّ مُـبْـدِعُ

وَلَهُ مِنَ الـشَّهْبَـاءِ أَصْـلٌ ثَابِتٌ   ***   وَعَلَى ذُرَا اسْتَنْبُولَ مَـثْـوَىً يَسْطَعُ

ذِكْرَاهُ إِنْ ذُكِرَتْ ذُكَاءُ فَمَشْرِقٌ    ***   وَسَنَاهُ إِنْ طَلَعَ الهِلَالُ فَـمَـطْـلِـعُ

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 4/ رجب /1441هـ، الموافق: 28/ شباط / 2020م