178ـ مسحاته الشريفة صلى الله عليه وسلم (2)

178ـ مسحاته الشريفة صلى الله عليه وسلم (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ ضِرْعَ الشَّاةِ فَيَدُرُّ اللَّبَنُ مِنْهَا:

فَمِنْ ذَلِكَ: حَدِيثُ أَبِي قِرْصَافَةَ قَالَ: كَانَ بَدْءُ إِسْلَامِي أَنِّي كُنْتُ يَتِيمَاً بَيْنَ أُمِّي وَخَالَتِي، وَكَانَ أَكْثَرُ مَيْلِي إِلَى خَالَتِي، وَكُنْتُ أَرْعَى شُوَيْهَاتٍ لِي.

فَكَانَتْ خَالَتِي كَثِيرَاً مَا تَقُولُ لِي: يَا بُنَيَّ، لَا تَمُرَّ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ ـ تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ فَيُغْوِيَكَ وَيُضِلَّكَ.

فَكُنْتُ أَخْرُجُ حَتَّى آتِيَ المَرْعَى، وَأَتْرُكَ شُوَيْهَاتِي وَآتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَا أَزَالُ أَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ أُرَوِّحُ غَنَمِي ضُمَّرَاً يَابِسَاتِ الضُّرُوعِ.

وَقَالَتْ لِي خَالَتِي: مَا لِغَنَمِكَ يَابِسَاتِ الضُّرُوعِ؟

قُلْتُ: مَا أَدْرِي.

ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ، فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ فِي اليَوْمِ الْأَوَّلِ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَاجِرُوا، وَتَمَسَّكُوا بِالإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ الهِجْرَةَ لَا تَنْقَطِعُ مَا دَامَ الْجِهَادُ».

ثُمَّ إِنِّي رُحْتُ بِغَنَمِي كَمَا رُحْتُ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ.

ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَهُ أَسْمَعُ مِنْهُ، حَتَّى أَسْلَمْتُ وَبَايَعْتُهُ وَصَافَحْتُهُ، وَشَكَوْتُ إِلَيْهِ أَمْرَ خَالَتِي وَأَمْرَ غَنَمِي.

فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «جِئْنِي بِالشِّيَاهِ».

فَجِئْتُهُ بِهِنَّ، فَمَسَحَ ظُهُورَهُنَّ وَضُرُوعَهُنَّ، وَدَعَا فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، فَامْتَلَأْنَ شَحْمَاً وَلَبَنَاً.

فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى خَالَتِي بِهِنَّ ـ أَيْ: بِالشِّيَاهِ ـ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، هَكَذَا فَارْعَ.

قُلْتُ: يَا خَالَةُ، مَا رَعَيْتُ إِلَّا حَيْثُ أَرْعَى كُلَّ يَوْمٍ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكِ بِقِصَّتِي، وَأَخْبَرْتُهَا بِالْقِصَّةِ، وَإِتْيَانِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرْتُهَا بِسِيرَتِهِ وَبِكَلَامِهِ.

فَقَالَتْ أُمِّي وَخَالَتِي: اذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ.

فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُمِّي وَخَالَتِي، فَأَسْلَمْنَ وَبَايَعْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. اهـ. وَتَقَدَّمَ آخِرُ هَذَا الحَدِيثِ في بَحْثِ كَلَامِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحَلَاوَةِ مَنْطِقِهِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدَ الخُزَاعِيَّةِ في أَوَّلِ الكِتَابِ لَمَّا مَرَّ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَسْحُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الفَحْلُ، لَمَّا مَرَّ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَرْعَى غَنَمَاً لِعُقْبَةَ.

كَمَا جَاءَ في مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَمَاً لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلَامُ، هَلْ مِنْ لَبَنٍ؟».

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ.

قَالَ: «فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ؟».

فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ، فَمَسَحَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَرْعَهَا، فَنَزَلَ لَبَنٌ، فَحَلَبَهُ فِي إِنَاءٍ، فَـشَرِبَ، وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَشَرِبَ وَشَرِبَ أَبُو بَكْرٍ؛ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِلـضَّرْعِ: «اقْلِصْ ـ أَيْ: أَمْسِكْ ـ» فَقَلَصَ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا القُرْآنِ.

فَمَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: «يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِنَّكَ غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ».

قَالَ: فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ سُورَةً.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 11/ رجب /1441هـ، الموافق: 6/ آذار / 2020م