198ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (5)

198ـ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم (5)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني   ***   هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا

كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ   ***    لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا

يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

خَامِسَاً: بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِأَلَمِ فِرَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ مَجَالِسِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَتَذَكُّرِهِ وَالوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَمَا يَنْعَكِسُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَسْرَارِهِ وَأَنْوَارِهِ، وَبُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِ عُهُودِهِمْ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمُ الشَّدِيدُ لِوَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبُكَاؤُهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى شِدَّةِ مَحَبَّتِهِمْ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَشَغَفِهِمْ بِهِ.

وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ أَطْرَافَاً مُوجَزَةً:

بُكَاؤُهُمْ لِأَلَمِ مُفَارَقَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

فَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى اليَمَنِ، خَرَجَ يُوصِيهِ وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي في ظِلِّ رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وَصِيَّتِهِ قَالَ: «يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا وَقَبْرِي».

فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعَاً ـ أَيْ: جَزَعَاً ـ لِفِرَاقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ الْتَفَتَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ المَدِينَةِ فَقَالَ: «إِنَّ أَوْلى النَّاسِ بِي المُتَّقُونَ، مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا».

قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ.

وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادَيْنِ، وَرِجَالُ الإِسْنَادَيْنِ رِجَالُ الصَّحِيحِ، غَيْرَ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ وَعَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَهُمَا ثِقَتَانِ. اهـ.

بُكَاؤُهُمْ لِتَذَكُّرِهِمْ مَجَالِسَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالعَبَّاسُ، بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ، وَهُمْ يَبْكُونَ ـ أَيْ: وَذَلِكَ في حَالِ مَرَضِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ.

فَقَالَ ـ أَحَدُهُمَا ـ: مَا يُبْكِيكُمْ؟

فَقَالُوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَّا.

فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ.

فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ؛ فَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ.

فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي (أَيْ: هُمْ مَوْضِعُ سِرِّي وَهُمْ بِطَانَتِي) وَقَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ».

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 13/ ربيع الأول /1442هـ، الموافق: 30/تشرين الأول / 2020م