735ـ خطبة الجمعة: اتقوا الله فيما تنشرون

735ـ خطبة الجمعة: اتقوا الله فيما تنشرون

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ نَظْرَةً نَاقِدَةً إلى مُجْتَمَعِنَا تُوجِبُ الحَذَرَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ لَا يُطِيقُهُ النَّاسُ، فَهَا هِيَ سُوقُ الفَسَادِ قَدْ رَاجَتْ، وَمَعَاوِلُ الهَدْمِ قَدْ كَثُرَتْ، وَالنَّاسُ في غَفْلَةٍ عَمَّا يُرَادُ بِهِمْ.

إِنَّ خَطَرَ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ بِمَا تَعْرِضُ مِنَ الفُجُورِ لَيْلَ نَهَارَ، وَخَطَرَ شَبَكَاتِ الإِنْتَرْنِت صَارَ وَاضِحًا أَمَامَ الأَعْيُنِ، لَقَدْ ضَاعَ شَبَابُنَا وَشَابَّاتُنَا إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى.

لَقَدْ صَارَتْ إِشَاعَةُ الفَاحِشَةِ في المُجْتَمَعِ وَاضِحًا وُضُوحَ الشَّمْسِ في رَابِعَةِ النَّهَارِ، وَبِكُلِّ أَسَفٍ صَارَ الكَثِيرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يُرْسِلُونَ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا الصُّوَرَ الفَاضِحَةَ، وَالمَقَاطِعَ المُخْزِيَةَ، وَرُبَّمَا البَعْضُ يَنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.

يَا مَنْ يُرْسِلُ الصُّوَرَ الفَاضِحَةَ:

تَذَكَّرْ يَا عَبْدَ اللهِ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.

يَا مَنْ يُرْسِلُ الصُّوَرَ الفَاضِحَةَ، وَالمَقَاطِعَ التي يَنْدَى لَهَا جَبِينُ البَهَائِمِ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّكَ سَنَنْتَ سُنَّةً سَيِّئَةً جَارِيَةً تَحْمِلُ إِثْمَهَا وَإِثْمَ مَنْ نَشَرَهَا بَعْدَكَ؟ روى الإمام مسلم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».

يَا مَنْ يُرْسِلُ الصُّوَرَ الفَاضِحَةَ، وَالمَقَاطِعَ السَّيِّئَةَ، هَلْ تَرْضَى لِأُمِّكَ وَأُخْتِكَ وَزَوْجَتِكَ وَبَنَاتِكَ أَنْ يُشَاهِدْنَ هَذِهِ الصُّوَرَ وَالمَقَاطِعَ؟

يَا مَنْ يُرْسِلُ الصُّوَرَ الفَاضِحَةَ وَالمَقَاطِعَ القَذِرَةَ، مَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَمَا تَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالنَّارُ تِلْقَاءُ وَجْهِكَ؟

يَا مَنْ يُرْسِلُ تِلْكَ الصُّوَرَ وَالمَقَاطِعَ الفَاضِحَةَ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَتَحَمَّلُ آثَامَ كُلِّ مَنْ شَاهَدَهَا، وَأَنَّ رَصِيدَكَ مِنَ السَّيِّئَاتِ يَزْدَادُ بِازْدِيَادِ مُتَبَادِلِي هَذِهِ الصُّوَرِ حَتَّى بَعْدَ مَوْتِكَ؟

يَا مَنْ يُرْسِلُ تِلْكَ الصُّوَرَ الفَاضِحَةَ وَالمَقَاطِعَ القَذِرَةَ، هَلْ تَعْلَمُ بِأَنَّ اللهَ تعالى يَغَارُ، وَمِنْ غَيْرَتِهِ أَنَّهُ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، روى الإمام مسلم عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، فَوَاللهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللهُ الْمُرْسَلِينَ، مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الْجَنَّةَ».

يَا مَنْ يُرْسِلُ تِلْكَ الصُّوَرَ وَالمَقَاطِعَ الفَاضِحَةَ، هَلْ تَذْكُرُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا﴾؟ وَهَلْ بِنَشْرِكَ لَهَا تُرِيدُ الإِصْلَاح أَمِ الفَسَادَ وَالإِفْسَادَ؟

يَا مَنْ يُرْسِلُ تِلْكَ الصُّوَرَ وَالمَقَاطِعَ الفَاضِحَةَ، لَا تَنْسَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾. لَا تَنْسَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. لَا تَنْسَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾. وَقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ نَشْرَ الصُّوَرِ الفَاضِحَةِ، وَالمَقَاطِعِ المُخْزِيَةِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ حَيَاةِ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ هَلَاكِ الأُمَّةِ وَدَمَارِهَا، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ سَخَطِ اللهِ تعالى، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ خَرَابِ البُيُوتِ العَامِرَةِ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ طَمْسِ البَصِيرَةِ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الحَسْرَةِ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ، وَفي أَرْضِ المَحْشَرِ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ لُحُوقِ اللَّعْنَةِ لِفَاعِلِهَا.

نَاشِرُ الفَسَادِ في الأَرْضِ، وَخَاصَّةً عَنْ طَرِيقِ مَوَاقِعِ الإِفْسَادِ الاجْتِمَاعِيِّ، إِذَا لَمْ يَتُبْ إلى اللهِ تعالى، قَدْ يَقُولُ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَرَكَ جَوَّالَهُ الفَاسِدَ وَالمُفْسِدَ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إِمَّا أَنْ تَسْتَخْدِمُوا الإِنْتَرْنِت في نُصْرَةِ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَالذَّبِّ عَنْ دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَإِمَّا إِلْغَاؤُهُ حَتَّى لَا تَنْدَمُوا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 5/ ربيع الثاني /1442هـ، الموافق: 20/تشرين الثاني / 2020م