741ـ خطبة الجمعة: ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾

741ـ خطبة الجمعة: ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا قَدِ انْصَرَمَ، وَاسْتَقْبَلْنَا عَامًا قَدْ قَدِمَ، وَدَّعْنَا عَامًا ذَهَبَ بِحَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ، نَسِينَا مَا فَعَلْنَا فِيهِ، وَلَكِنْ وَاللهِ مَا فَعَلْنَاهُ عِلْمُهُ عِنْدَ رَبِّي في كِتَابٍ، لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى، غَفَلْنَا عَمَّا فَعَلْنَا، وَلَكِنْ ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾. قَالَ تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ وَدَّعْنَا عَامًا مُنْصَرِمًا ذَهَبَ كَأَنَّهُ لَمْحُ البَصَرِ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، مَا ذَهَبَ مِنْ عِلْمِ اللهِ تعالى، وَمَا ذَهَبَ مِنْ حِسَابِ اللهِ تعالى، وَمَا ذَهَبَ مِنَ اطِّلَاعِ اللهِ تعالى.

﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: السَّعِيدُ المُوَفَّقُ مَنْ وَقَفَ مَعَ نَفْسِهِ مَوْقِفَ المُحَاسِبِ الدَّقِيقِ، وَنَظَرَ في حَسَنَاتِهِ وَنَظَرَ في سَيِّئَاتِهِ، وَاسْتَحْضَرَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾.

وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَ نَفْسِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَسَوْفَ يَقِفُ بَيْنَ يَدَيْ مَوْلَاهُ بَعْدَ بَعْثِهِ وَحَشْرِهِ، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾. الحَسَنَاتُ وَاضِحَةٌ، وَالسَّيِّئَاتُ ظَاهِرَةٌ، لَا يَخْفَى عَلَى اللهِ تعالى شَيْءٌ.

فيُدْنِيهِ مَوْلَانَا مِنْهُ وَيُحَاسِبُهُ: فَعَلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَهَلْ لَكَ مِنْ عُذْرٍ؟

نَعَمْ، لَقَدِ انْصَرَمَ عَامٌ عَبَثَ فِيهِ العَابِثُونَ، وَأَجَادَ فِيهِ المُخْلِصُونَ، فَالصَّالِحُونَ ادَّخَرُوا أَجَلَّ الحسَنَاتِ، وَأَمَّا العَابِثُونَ المُبْطِلُونَ فَكَنَزُوا أَقْبَحَ السَّيِّئَاتِ، فَسَوْفَ يَرَى كُلٌّ بِضَاعَتَهُ، وَمِنْ خِلَالِ مَا يَرَى ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ وَدَّعَتِ الأُمَّةُ لَيْلَةَ البَارِحَةِ عَامًا كَامِلًا، وَقَلَّدَ فِيهِ التَّابِعُونَ المَتْبُوعِينَ، وَقَلَّدَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ اللهُ تعالى في حَقِّهِمْ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾. قَلَدُوا مَنْ قَالَ اللهُ تعالى في حَقِّهِمْ: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: حَصَلَ الذي حَصَلَ، وَوَقَعَ في المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ مَنْ وَقَعَ، رَغْمَ البَلَاءِ الذي يَعُمُّنَا، وَلَكِنْ هَلْ مِنَّا مَنْ يُفَكِّرُ في الصُّلْحِ مَعَ اللهِ تعالى قَبْلَ مَوْتِهِ؟

وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، نَحْنُ سَائِرُونَ إلى ذَاكَ اليَوْمِ الذي يُقَالُ فِيهِ: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾. وَالذي يُقَالُ فِيهِ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾. وَيُقَالُ فِيهِ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾.

فَمِنْ أَيِّ الفَرِيقَيْنِ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُنَا؟

رَأَى الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى رَجُلًا فَقَالَ لَهُ: كَمْ أَتَتْ عَلَيْكَ؟

قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً.

قَالَ: فَأَنْتَ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلَى رَبِّكَ تُوشِكُ أَنْ تَبْلُغَ.

فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

قَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ: تَعْلَمُ مَا تَقُولُ؟

قَالَ الرَّجُلُ: قُلْتُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

قَالَ الْفُضَيْلُ: تَعْلَمُ مَا تَفْسِيرُهُ؟

قَالَ الرَّجُلُ: فَسِّرْهُ لَنَا يَا أَبَا عَلِيٍّ.

قَالَ: قَوْلُكَ: إِنَّا للهِ، تَقُولُ: أَنَا للهِ عَبْدٌ، وَأَنَا إِلَى اللهِ رَاجِعٌ، فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعٌ، فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَمَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَسْؤُولٌ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَسْؤُولٌ فَلْيُعِدَّ للسُّؤَالَ جَوَابًا.

فَقَالَ الرَّجُلُ: فَمَا الْحِيلَةُ؟

قَالَ: يَسِيرَةٌ.

قَالَ: مَا هِيَ؟

قَالَ: تُحْسِنُ فِيمَا بَقِيَ يُغْفَرُ لَكَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ، فَإِنَّكَ إِنْ أَسَأْتَ فِيمَا بَقِيَ أُخِذْتَ بِمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ. /حلية الأولياء.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ الاصْطِلَاحِ مَعَهُ تَبَارَكَ وتعالى. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 17/ جمادى الأولى /1442هـ، الموافق: 1/كانون الثاني / 2021م