742ـ خطبة الجمعة: كيف تتشاءم وأنت المؤمن؟

742ـ خطبة الجمعة: كيف تتشاءم وأنت المؤمن؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ أَشَدَّ مَا ابْتُلِيَتْ بِهِ هَذِهِ الأُمَّةُ، لَا سِيَّمَا في هَذِهِ الظُّرُوفِ التي تَمُرُّ عَلَيْهَا مِنْ غَلَاءٍ وَبَلَاءٍ وَوَبَاءٍ وَتَكَالُبِ الأَعْدَاءِ دُخُولُ النَّقْصِ في أَعَزِّ مَا لَدَيْهَا، في عَقِيدَتِهَا وَثَوَابِتِهَا.

نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى العَوْدَةِ إلى كِتَابِ اللهِ تعالى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ لِتَدَبُّرِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾.

وَلِتَدَبُّرِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

الأُمُورُ مُقَدَّرَةٌ بِتَقْدِيرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِحِكْمَةٍ أَرَادَهَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ أَخْفَى عَلَيْنَا مَا قَدَّرَهُ ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾.

عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ بِالأَسْبَابِ المَشْرُوعَةِ لِرَفْعِ الغَلَاءِ وَالبَلَاءِ وَالوَبَاءِ وَالتَّصَدِّي لِكَيْدِ الأَعْدَاءِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَكُنْ مِنَ المُتَفَائِلِينَ لَا مِنَ المُتَشَائِمِينَ.

كَيْفَ تَتَشَاءَمُ وَأَنْتَ المُؤْمِنُ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلُمُّوا إلى التَّفَاؤُلِ، وَنَبْذِ التَّشَاؤُمِ، مَهْمَا اشْتَدَّتْ عَلَيْكُمُ الكُرُبَاتُ وَالابْتِلَاءَاتُ، وَقُولُوا لِكُلِّ مُتَشَائِمٍ لِأَيِّ سَبَبٍ مِنَ الأَسْبَابِ: كَيْفَ تَتَشَاءَمُ وَأَنْتَ المُؤْمِنُ بِاللهِ تعالى، وَالمُؤْمِنُ بِكِتَابِهِ، وَالمُؤْمِنُ بِقَدَرِهِ؟

كَيْفَ تَتَشَاءَمُ وَأَنْتَ تَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في حَادِثَةِ الإِفْكِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾؟ حَادِثَةُ الإِفْكِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا حَادِثَةُ الإِفْكِ؟ ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾؟

كَيْفَ تَتَشَاءَمُ مِنْ مَكْرِ الآخرِينَ وَرَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ مُخَاطِبًا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾؟ هَلْ مَكْرُهُمْ أَضَرَّ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

بَلْ كَيْفَ تَتَشَاءَمُ وَأَنْتَ تَلْتَزِمُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾. وَلَا تَخَفْ مِنْ مَكْرِ المَاكِرِينَ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ.

كَيْفَ تَتَشَاءَمُ مِنَ الظُّرُوفِ وَالأَحْدَاثِ وَالابْتِلَاءَاتِ وَالكُرُوبِ وَأَنْتَ تَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلُمُّوا للاصْطِلَاحِ مَعَ اللهِ تعالى، هَلُمُّوا للكَيْنُونَةِ مَعَ اللهِ تعالى، فَمَنْ كَانَ اللهُ تعالى مَعَهُ كَانَ هُوَ المُتَفَائِلَ، وَلَو ضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، كَيْفَ لَا يَكُونُ هَذَا، وَقَدْ أَعْطَانَا اللهُ تعالى صُورَتَيْنِ في كِتَابِهِ العَزِيزِ لِنَسْتَنِيرَ بِهِمَا.

الأُولَى: سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَنْ مَعَهُ، عِنْدَمَا تَبِعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾.

الثَّانِيَةُ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالصِّدِّيقُ يَوْمَ الهِجْرَةِ، وَعِنْدَمَا وَصَلَ الطَّلَبُ إلى الغَارِ، قَالَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا.

فَقَالَ الحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا».

وَقَالَ تعالى: ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾.

فَيَا صَاحِبَ الابْتِلَاءِ: لَا تَقْلَقْ وَلَا تَحْزَنْ وَلَا يَضِقْ عَلَيْكُ صَدْرُكَ، وَعَلَيَّ وَعَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَالمُحَافَظَةِ عَلَى حُدُودِ الشَّرِيعَةِ مَعَ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ لِرَفْعِ البَلَاءِ، وَاحْذَرْ مِنَ الاسْتِسْلَامِ للتَّشَاؤُمِ، لِأَنَّ التَّشَاؤُمَ يُضْعِفُكَ في العِبَادَةِ، وَيُورِثُكَ الإِحْبَاطَ، وَيَدْفَعُكَ لِسُوءِ الظَّنِّ بِاللهِ تعالى؛ فَكُنْ مُتَفَائِلًا لَا مُتشَائِمًا، وَأَبْشِرْ بِالخَيْرِ.

يَا رَبِّ بِهِمْ وَبِآلِهِمِ عَجِّلْ بِالنَّصْرِ وَبِالفَرَجِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 24/ جمادى الأولى /1442هـ، الموافق: 8/كانون الثاني / 2021م