8ـ الخصائص التي انفرد بها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1)

8ـ الخصائص التي انفرد بها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1)

مقدمة الكلمة:

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ للهِ تعالى خَوَاصَّ في الأَمْكِنَةِ وَالأَزْمِنَةِ وَالأَشْخَاصِ.

لَقَدْ خَصَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الأَمْكِنَةِ الكَثِيرَ؛ خَصَّ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَخَصَّ فِيهِمَا الكَثِيرَ، خَصَّ مَسْجِدَ قُبَاءَ، وَخَصَّ الرَّوْضَةَ الشَّرِيفَةَ، وَالمِنْبَرَ الشَّرِيفَ، وَالحَجَرَ الأَسْوَدَ، وَالمَقَامَ، وَجَبَلَ أُحُدٍ، وَخَصَّ بَيْتَ المَقْدِسَ، وَخَصَّ المَسَاجِدَ ...الخ.

وَخَصَّ اللهُ تعالى مِنَ الزَّمَانِ الكَثِيرَ: شَهْرَ رَمَضَانَ، وَلَيْلَةَ القَدْرِ، وَيَوْمَ الجُمُعَةِ، وَلَيْلَتَهَا، وَسَاعَةَ الإِجَابَةِ فِيهِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَعَشْرَ ذِي الحِجَّةِ، وَالثُّلُثَ الأَخِيرَ مِنَ اللَّيْلِ ...الخ.

وَخَصَّ البَشَرَ مِنْ سَائِرِ المَخْلُوقَاتِ، وَخَصَّ الأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ البَشَرِ، وَخَصَّ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، وَخَصَّ أُولِي العَزْمِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ سَائِرِ الرُّسُلِ، وَخصَّ نَبِيَّنَا المُصْطَفَى الكَرِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَائِرِ أُولِي العَزْمِ، كَمَا خَصَّ هَذِهِ الأُمَّةَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، وَخَصَّ قُرُونَهَا الأُوَلَ عَلَى سَائِرِ القُرُونِ، السَّابِقَةِ وَالتَّالِيَةِ ...الخ.

قَالَ اللهُ تعالى عَنْ تَفْضِيلِ البَشَرِ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾.

وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ عَنْ تَفْضِيلِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.

وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ عَنِ المُفَاضَلَةِ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾.

وَقَالَ تعالى عَنِ اصْطِفَاءِ الرُّسُلِ: ﴿اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾.

وَقَالَ تعالى عَنِ المُفَاضَلَةِ بَيْنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾.

الخَصَائِصُ التي انْفَرَدَ بِهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ للنَّبِيِّ المُصْطَفَى الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَد روى الإمام مسلم عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي دَعْوَةٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، وَقَالَ: «أَنَا سَيِّدُ القَوْمِ يَوْمَ القِيَامَةِ ...» الحديث بطوله.

ثُمَّ إِنَّ عَظَمَةَ الإِنْسَانِ وَمَكَانَتَهُ تَنْبُعُ مِنْ أَمْرَيْنِ اثْنَيْنِ هُمَا:

1ـ مَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الجَمَالِ وَالكَمَالِ في ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، سَوَاءٌ وَافَقَهُ غَيْرُهُ فِيهَا أَو في بَعْضِهَا، أَو لَا.

2ـ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَقْرَانِهِ، مِنْ صِفَاتِ الجَمَالِ وَالكَمَالِ في ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ.

وَالنَّبِيُّ المُصْطَفَى الكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَوَى مِنْ صِفَاتِ الجَمَالِ وَالكَمَالِ في ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ عَليْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِمِئَةِ خَصْلَةٍ، لَا يُشَارِكُهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ.

أَمَّا مَا يَتَّصِفُ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَليْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَهُوَ كَثِيرٌ أَيْضًا.

وَالخصَائِصُ التي يَنْفَرِدُ بِهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَوْعَيْنِ:

مَا يَخْتَصُّ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في ذَاتِهِ، سَوَاءٌ في الدُّنْيَا أَو في الآخِرَةِ.

مَا يَخْتَصُّ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أُمَّتِهِ، سَوَاءٌ في الدُّنْيَا أَو في الآخِرَةِ، مِمَّا تَنْفَرِدُ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الأُمَمِ، وَلَوْلَاهُ لَمَا أُعْطِيَتْ ذَلِكَ.

فَمِمَّا خَصَّهُ اللهُ تعالى بِهِ لِذَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدُّنْيَا:

أَنْ أَخَذَ اللهُ تعالى لَهُ العَهْدَ عَلَى جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَانَ نَبِيًّا وَآدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُنْجَدِلٌ في طِينَتِهِ، وَجَعَلَ عِنْدَ أَهْلِ الكِتَابِ عِلْمًا تَامًّا بِهِ، وَهُوَ أَوَّلُ المُسْلِمِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَهُوَ نَبِيُّ الإِسْلَامِ، وَأَوْلَى بِالأَنْبِيَاءِ مِنْ أُمَمِهِمْ، وَبِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَجَعَلَ أَزْوَاجَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَحَرَّمَ نِكَاحَهُنَّ مِنْ بَعْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَهُ مِنَّةً يَمْتَنُّ بِهَا عَلَى العِبَادِ، وَخَيْرَ الخَلَائِقِ، وَسَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ، وَجَعَلَ طَاعَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَاعَةً للهِ تعالى، وَجَعَلَهَا مَقْرُونَةً بِطَاعَتِهِ تعالى، وَمُبَايَعَتَهُ مُبَايَعَةً للهِ تعالى، وَالإِيمَانَ بِهِ مَقْرُونًا بِالإِيمَانِ بِهِ تعالى، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً للعَالَمِينَ وَبِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفًا رَحِيمًا، وَهُوَ أَمَنَةٌ لِأُمَّتِهِ، وَعَمَّمَ رِسَالَتَهُ، وَتَكَفَّلَ تعالى بِحِفْظِهِ وَعِصْمَتِهِ، وَحِفْظِ دِينِهِ، وَكِتَابِهِ، وَكَفَاهُ تعالى المُسْتَهْزِئِينَ، وَأَقْسَمَ تعالى بِحَيَاتِهِ، وَبِبَلَدِهِ، وَبِعَصْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَلَمْ يُنَادِهِ تعالى بِاسْمِهِ الشَّرِيفِ (يَا مُحَمَّدُ) وَنَهَى عَنْ مُنَادَاتِهِ بِهِ، بَلْ يُخَاطِبُهُ بِـ يَا رَسُولَ اللهِ، يَا نَبِيَّ اللهِ، وَحَرَّمَ تعالى رَفْعَ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَهُ تعالى في أَوَّلِ مَنْ ذَكَرَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَجَعَلَهُ تعالى نُورًا، وَفَرَضَ بَعْضَ شَرْعِهِ في السَّمَاءِ، وَتَوَلَّى الإِجَابَةَ عَنْهُ، وَجَعَلَ تعالى صَلَاةَ اللهِ وَمَلَائِكَتِهِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَجَدِّدَةً بِاسْتِمْرَارٍ، وَأَعْطَاهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ المُعْجِزَاتِ مَا زَادَ عَلَى مُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ السَّابِقِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَجَعَلَ مُعْجِزَتَهُ ـ الوَحْيَ ـ مُسْتَمِرَّةً في إِعْجَازِهَا إلى قِيَامِ السَّاعَةِ.

نَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ أَنْ تُكْرِمَنَا بِالاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 26/جمادى الآخرة /1442هـ، الموافق: 8/ شباط / 2021م