4ـ جمال بشرته المضيئة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

4ـ جمال بشرته المضيئة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   ***   وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ   ***   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ تَمَامِ الإِيمَانِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ خَلْقَ بَدَنِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَظْهَرْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ خَلْقُ آدَمَيٍّ مِثْلِهِ؛ يَعْنِي: لَمْ يَجْتَمِعْ في بَدَنِ آدَمِيٍّ مِنَ المَحَاسِنِ الظَّاهِرَةِ مَا اجْتَمَعَ في بَدَنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ المَحَاسِنَ الظَّاهِرَةَ آيَاتٌ عَلَى المَحَاسِنِ البَاطِنَةِ، وَالأَخْلَاقِ الزَّكِيَّةِ؛ وَلَا أَكْمَلَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مُسَاوِيَ لَهُ في ذَلِكَ.

فَكَانَ مَا يُشَاهَدُ مِنْ خَلْقِ بَدَنِهِ الشَّرِيفِ آيَاتٍ عَلَى مَا يَتَّضِحُ مِنْ عَظِيمِ خَلْقِ نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ، وَمَا يَتَّضِحُ مِنْ عَظِيمِ أَخْلَاقِ نَفْسِهِ، آيَاتٍ تَدَلُّ عَلَى مَا تَحَقَّقَ لَهُ مِنْ سِرِّ قَلْبِهِ المُقَدَّسِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَللهِ دَرُّ البُوصِيرِيِّ حَيْثُ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ:

فَهُوَ الذي تَمَّ مَعْنَاهُ وَصُورَتُهُ   ***   ثُمَّ اصْطَفَاهُ حَبِيبًا بَارِئُ النَّسَمِ

مُـنَـزَّهٌ عَنْ شَرِيكٍ في مَحَاسِنِهِ   ***   فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فِيهِ غَيْرُ مُنْقَسِمِ

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ رِفْقِ اللهِ تعالى بِنَا أَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ لَنَا تَمَامَ حُسْنِهِ، لِأَنَّهُ لَو ظَهَرَ لَنَا تَمَامُ حُسْنِهِ لَمَا طَاقَتْ أَعْيُنُنَا رُؤْيَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ يَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَمْ يَظْهَرْ لَنَا تَمَامُ حُسْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَنَا تَمَامُ حُسْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمَا طَاقَتْ أَعْيُنُنَا رُؤْيَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. اهـ. /كذا في كتاب سبل الهدى والرشاد.

وَقَدْ أَحْسَنَ الإِمَامُ البُوصِيرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ عِنْدَمَا قَالَ:

أَعْيَا الوَرَى فَهْمُ مَعْنَاهُ فَلَيْسَ يُرَى    ***   في القُرْبِ وَالبُعْدِ فِيهِ غَيْرُ مُنْفَحِمِ

كَـالشَّمْسِ تَظْهَرُ للعَيْنَيْنِ مِنْ بُعُـدٍ   ***   صَغِيرَةً وَتُكِلُّ الطَّرْفَ مِنْ أَمَـــمِ

مِنْ أَمَمِ: أَيْ: مِنْ قُرْبٍ.

جَمَالُ بَشَرَتِهِ المُضِيئَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ لَوْنًا، يُخَالِطُ بَيَاضَ بَشَرَتِهِ حُمْرَةٌ وَرْدِيَّةٌ، يَقُولُ نَاعِتُو وَوَاصِفُو نَقَاءِ بَشَرَتِهِ وَصَفَائِهَا: كَانَ عَظِيمَ الْهَامَةِ، أَبْيَضَ، مُشْرَبًا حُمْرَةً. رواه الإمام أحمد عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وروى الحاكم مِنْ حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الْخَلْقِ.

وروى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ بُرْدَةً سَوْدَاءَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا أَحْسَنَهَا عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، يَشُوبُ بَيَاضُكَ سَوَادَهَا، وَيَشُوبُ سَوَادُهَا بَيَاضَكَ؛ فَبَانَ مِنْهَا رِيحٌ، فَأَلْقَاهَا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ.

وروى الإمام أحمد عَنْ رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ، يُقَالُ لَهُ: مُحَرِّشٌ أَوْ مُخَرِّشٌ ـ لَمْ يُثْبِتْ سُفْيَانُ اسْمَهُ ـ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا فَاعْتَمَرَ ثُمَّ رَجَعَ، فَأَصْبَحَ بِهَا كَبَائِتٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ.

فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ السِّرَاجُ المُنِيرُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾.

 

 

لِأَجْلِ كُلِّ هَذَا لَمْ يَتَمَالَكْ أَبُو طَالِبٍ عَمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الشُّعُورَ حَتَّى عَبَّرَ بِالشِّعْرِ وَاصِفًا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَمَالَ بَشَرَتهِ وَأَضْوَاءَهُ المُتَلَأْلِئَةَ، فَقَالَ:

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ   ***   ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ للأَرَامِلِ

فَنُورُ مُحَيَّاهُ بَلَغَ المَشْرِقَيْنِ، وَعَمَّ الثَّقَلَيْنِ، وَنَافَسَ النَّيِّرَيْنِ، وَأَرْشَدَ العَالَمِينَ بِهِ لِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ.

أَمِينٌ مُصْطَفًى للخَيْرِ يَدْعُو   ***   كَضَوْءِ البَدْرِ زَايَلَهُ الظَّلَامُ

هَذِهِ الْبَشَرَةُ المُبَارَكَةُ: كَانَتْ أَلْيَنَ مِنَ الحَرِيرِ، وَأَطْيَبَ مِنْ رِيحِ المِسْكِ العَنْبَرِيَّةِ:

يَقُولُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، فَمَا مَسَسْتُ شَيْئًا أَلْيَنَ مِنْ جِلْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلا وَجَدْتُ رَائِحَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

هَذِهِ الْبَشَرَةُ المُبَارَكَةُ: كَانَتْ قِبْلَةَ العَاشِقِينَ، وَمَحَطَّ أَنْظَارِ المُحِبِّينَ، وَمَطْلَبَ أَهْلِ الْحُبِّ الصَّادِقِينَ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي حِبِّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَدَّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي يَدِهِ قَدَحٌ ـ سَهْمٌ لَا نَصْلَ لَهُ ـ يُعَدِّلُ بِهِ القَوْمَ، فَمَرَّ بِسَوَّادِ بْنِ غَزِيَّةَ ـ حَلِيفِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ ـ وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنَ الصَّفِّ ـ مُتَقَدِّمٌ عَنْهُ ـ فَقَالَ: «اسْتَوِ يَا سَوَّادُ».

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْجَعْتنِي، وَقَدْ بَعَثَك اللهُ بِالحَقِّ وَالعَدْلِ!

قَالَ: فَأَقِدْنِي.

فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَطْنِهِ وَقَالَ: «اسْتَقِدْ».

قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ، فَقَبَّلَ بَطْنَهُ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوَّادُ؟

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ العَهْدِ بِكَ أَنْ يَمَسَّ جِلْدِي جِلْدَكَ.

فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِخَيْرِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعلى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَهَذَا سَوَادَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ ـ وَكَانَ رَجُلًا يُصِيبُ مِنَ الخَلُوقِ ـ عِطْرٌ وَطِيبٌ مُرَكَّبٌ، يُتَّخَذُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ ـ فَتَلَقَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَنَهَاهُ، فَلَقِيَهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ جَرِيدَةٌ فَقَالَ [إِمَّا] عَاتَبَهُ وَإِمَّا طَعَنَ فِي بَطْنِهِ، فَقَالَ: أَقِدْنِي أَوْ أَقْضِنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَطْنِهِ ثُمَّ قَالَ: «هَلُمَّ اقْتَصَّ».

فَلَمَّا رَأَى بَطْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَلْقَى الْجَرِيدَةَ وعَلِقَ يُقَبِّلُهُ.

قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: حَجَزَهُ الإسلامُ ـ رَحِمَهُ اللهُ تعالى ـ ثُمَّ اسْتَبْكَى. رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْرٍ الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: طَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فِي بَطْنِهِ إِمَّا بِقَضِيبٍ وَإِمَّا بِسِوَاكٍ قَالَ: أَوْجَعْتَنِي، فَأَقِدْنِي.

فَأَعْطَاهُ الْعُودَ الَّذِي كَانَ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ: «اسْتَقِدْ».

فَقَبَّلَ بَطْنَهُ ثُمَّ قَالَ: بَلْ أَعْفُو عَنْكَ؛ لَعَلَّكَ أَنْ تَشْفَعَ لِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِرُؤْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الأربعاء: 28/ جمادى الآخرة /1442هـ، الموافق: 10/ شباط / 2021م