728ـ خطبة الجمعة: الوقاية من السحر

728ـ خطبة الجمعة: الوقاية من السحر

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ السَّحَرَةِ وَالكُهَّانِ وَالمُنَجِّمِينَ وَالعَرَّافِينَ وَأَهْلِ الشَّعْوَذَةِ، لِأَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ وَلَا يُصْلِحُونَ، وَيَضُرُّونَ وَلَا يَنْفَعُونَ، شَرُّهُمْ عَظِيمٌ، وَخَطَرُهُمْ كَبِيرٌ، وَهُمْ بَعِيدُونَ عَنِ الإِيمَانِ قَرِيبُونَ مِنَ الشَّيْطَانِ.

لَقَدْ تَسَاهَلَ الكَثِيرُ في الذَّهَابِ إِلَيْهِمْ، وَطَلَبِ الشِّفَاءِ عَلَى أَيْدِيهِمْ، زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِالأَسْبَابِ، وَقَدْ نَسِيَ هَؤُلَاءِ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» رواه الإمام مسلم عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وروى الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّشْرَةِ، فَقَالَ: «مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ».

الوِقَايَةُ مِنَ السِّحْرِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَى إِيمَانِنَا وَاعْتِقَادِنَا مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ آخِرَتِنَا، يَقُولُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ في حَقِّ السَّحَرَةِ وَأَثَرِ فِعْلِهِمْ: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾. فَكُنْ يَا مَنْ تَعْتَقِدُ أَنَّكَ مَسْحُورٌ عَلَى يَقِينٍ بِذَلِكَ ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾. فَكُنْ مَعَ اللهِ تعالى كَمَا أَرَادَ يَكُنِ اللهُ تعالى لَكَ كَمَا تُرِيدُ، وَفَوْقَ مَا تُرِيدُ، فَأَمْرُكَ وَأَمْرُنَا وَأَمْرُ الخَلْقِ بِيَدِ اللهِ تعالى، وَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّهُ لَو اجْتَمَعَ عَلَيْكَ الخَلْقُ جَمِيعًا أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ وَإِنْسُهُمْ وَجِنُّهُمْ عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، فَمَا هُمْ بِضَارِّينَكَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ تعالى، فَكُنْ مَعَ اللهِ تعالى وَلَا تَخَفْ لَا مِنَ السِّحْرِ وَلَا مِنَ السَّحَرَةِ؛ هذا أولًا.

ثانيًا: ادْخُلْ في ذِمَّةِ اللهِ تعالى:

يَا مَنْ يَخَافُ السِّحْرَ، وَيَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَسْحُورٌ، هَلُمَّ وَادْخُلْ في ذِمَّةِ اللهِ تعالى، وَلَا تَخَفْ مِنَ السَّحَرَةِ، لِأَنَّ ضُرَّكَ بِالسِّحْرِ مُرْتَبِطٌ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، فَإِذَا دَخَلْتَ في ذِمَّةِ اللهِ تعالى، فَأَنْتَ في أَمْنٍ وَأَمَانٍ، روى الإمام مسلم عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ».

ثالثًا: عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ وَذْكِرِ اللهِ تعالى:

عَلَيْكَ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾. وَخَاصَّةً سُورَةَ البَقَرَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقِرَاءَةَ آيَةِ الكُرْسِيِّ، وَأَوَاخِرَ سُورَةِ البَقَرَةِ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ فَذَكَرَ الحَدِيثَ ـ فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ».

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ».

وَقِرَاءَةَ المُعَوِّذَتَيْنِ.

وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ».

رابعًا: عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ، وَخَاصَّةً في أَوْقَاتِ الإِجَابَةِ:

أَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ، وَالاسْتِعَاذَةِ بِاللهِ تعالى مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَخَاصَّةً هَذَا الدُّعَاءَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» رواه ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَخَاصَّةً في وَقْتِ السَّحَرِ، وَحَالَةِ السُّجُودِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».

وروى الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ».

خَامِسًا: تَصَبَّحْ كُلَّ يَوْمٍ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ:

تَصَبَّحْ كُلَّ يَوْمٍ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ، روى الشيخان عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَـضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ، وَلَا سِحْرٌ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ يَعِيشُ في وَهْمِ السِّحْرِ، وَيَعْتَقِدُ اعْتِقَادًا جَازِمًا أَنَّهُ مَسْحُورٌ بِنَاءً عَلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ المُشَعْوِذُونَ الكَذَّابُونَ الدَّجَالُونَ، اعْلَمْ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّهُ لَا دَوَاءَ للسِّحْرِ، إِلَّا بِالعَوْدَةِ إلى اللهِ تعالى، إِلَّا بِالإِقْلَاعِ عَنِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ التي مَلَأَتْ كَثِيرًا مِنَ البُيُوتِ.

لَا دَوَاءَ للسِّحْرِ إِلَّا بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَكَثرَةِ ذِكْرِ اللهِ تعالى، وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ، وَخَاصَّةً في وَقْتِ السَّحَرِ وَفي حَالَةِ السُّجُودِ.

لَا دَوَاءَ للسِّحْرِ إِلَّا بِالاصْطِلَاحِ مَعَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ﴾.

أَسْأَلُكَ يَا رَبَّنَا أَنْ تَرُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ وَتَرْكِ مَعَاصِيكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، رِجَالًا وَنِسَاءً. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 15/ صفر /1442هـ، الموافق: 2/تشرين الأول / 2020م