58ـ آداب المريض (3)

58ـ آداب المريض (3)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ ذَكَرْنَا في الدُّرُوسِ المَاضِيَةِ أَنَّ مِنْ آدَابِ المَرِيضِ: 1ـ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ المَرَضَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. 2ـ أَنْ يَأْخُذَ الدَّوَاءَ. 3ـ أَنْ يَرْقِيَ نَفْسَهُ بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.4ـ أَنْ يَمْسَحَ المَرِيضُ بِيَدِهِ اليُمْنَى مَكَانَ دَائِهِ. 5ـ تَرْكُ الشَّكْوَى وَالتَّحَلِّي بِالصَّبْرِ. 6ـ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَى ذَلِكَ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ. 7ـ رَدُّ المَظَالِمِ إلى أَهْلِهَا. 8ـ أَنْ يَعْفُوَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ.

تاسعاً: أَنْ يَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ:

العَبْدُ بِحَاجَةٍ إلى زِيَادَةٍ في القُرُبَاتِ وَالحَسَنَاتِ، وَأَنْ يَتَدَارَكَ مَا سَلَفَ مِنْ تَفْرِيطٍ في حَيَاتِهِ مِنْ أَعْمَالِ الخَيْرِ، لِأَنَّ الإِنْسَانَ مَغْرُورٌ بِأَمَلِهِ مُقَصِّرٌ في عَمَلِهِ، فَإِذَا عَرَضَ لَهُ المَرَضُ وَخَافَ البَيَانَ احْتَاجَ إلى تَلَافِي مَا فَرَّطَ مِنْهُ مِنَ التَّفْرِيطِ بِمَالِهِ.

روى الإمام أحمد عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ».

وروى الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ».

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.

وَقَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: مِنْ صَوَابِ الأَمْرِ للمَرْءِ أَنْ لَا تُفَارِقَهُ وَصِيَّتُهُ.

فَمَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سُنَّةٍ، روى ابن ماجه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ، وَمَاتَ عَلَى تُقًى وَشَهَادَةٍ، وَمَاتَ مَغْفُورًا لَهُ».

كُنْ حَرِيصًا عَلَى الوَصِيَّةِ مَعَ الإِنْفَاقِ وَأَنْتَ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟

قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ».

وَاحْذَرْ مِنَ الوَصِيَّةِ التي فِيهَا إِثْمٌ وَجَنَفٌ، وَإِيَّاكَ وَالمُضَارَّةَ بِالوَصِيَّةِ، روى الترمذي وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ اللهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ».

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً، فَإِذَا أَوْصَى حَافَ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ».

قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَتْ كِتَابَةُ الوَصِيَّةَ مُسْتَحَبَّةً للسَّلِيمِ، فَكَيْفَ لَا تَكْتُبُهَا وَأَنْتَ مَرِيضٌ، وَخَاصَّةً الوَصِيَّةَ الوَاجِبَةَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ حُقُوقٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ زَكَاةٍ أَو نَذْرٍ أَو كَفَّارَةٍ أَو حَجٍّ، أَو حُقُوقٍ للعِبَادِ؟ فَلَا تُضَيِّعْ حُقُوقَ اللهِ تعالى وَلَا حَقَّ أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ، وَأَوْصِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَلَى أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ ثُلُثَ التَّرِكَةِ، وَلْيَكُنْ صَدَقَةً جَارِيَةً أَو في عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ.

هَذَا إِذَا كُنْتَ غَنِيَّاً، أَمَّا إِذَا كُنْتَ ذَا مَالٍ قَلِيلٍ وَلَكَ وَرَثَةٌ فُقَرَاءُ فَالأَفْضَلُ أَلَّا تُوصِي وَصِيَّةَ نَافِلَةٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» رواه الشيخان.

لِأَنَّ الوَصِيَّةَ في هَذِهِ الحَالَةِ تَكُونُ صِلَةً للأَبَاعِدِ، وَتَرْكَاً للأَقَارِبِ، وَإِذَا تَرَكْتَ الوَصِيَّةَ في هَذِهِ الحَالَةِ تَكُونُ وَصَلْتَ أَقَارِبَكَ، وَهَذَا الأَفْضَلُ.

وَلَا تُوصِ لِأَحَدٍ مِنَ الوَرَثَةِ، وَهَذَا الأَسْلَمُ لِحُسْنِ العَلَاقَةِ بَيْنَ وَرَثَتِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رواه ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَأَشْهِدْ عَلَى وَصِيَّتِكَ وَلْتَكُنْ وَصِيَّتُكَ بِوُضُوحٍ لَا غُمُوضَ فِيهَا، وَلْيَكُنْ وَصِيُّكَ مِمَّنْ يَخَافُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

وَأَوْصِ أُصُولَكَ وَفُرُوعَكَ وَزَوْجَكَ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بَعْدِكَ، وَأَنْ يَذْكُرُوكَ بِدَعْوَةٍ صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا مِمَّنِ الْتَزَمَ شَرْعَ اللهِ تعالى، وَأَنْ يَكُونُوا مُتَمَاسِكِينَ مُتَعَاوِنِينَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى لَا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ، وَأَنْ يُوَزِّعُوا التَّرِكَةَ بَعْدَ المَوْتِ مُبَاشَرَةً وَأَلَّا يُؤَخِّرُوا ذَلِكَ حَتَّى لَا يَتَقَاطَعُوا.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 22/ رجب /1441هـ، الموافق: 18/ آذار / 2020م