25ـ البحث عن الوارث المحمدي (2)

25ـ البحث عن الوارث المحمدي (2)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَقُولُ سَيِّدِي العَارِفُ بِاللهِ تعالى، المُرْشِدُ الكَبِيرُ، سَيِّدِي وَمَوْلَايَ الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِر عِيسَى رَحِمَهُ اللهُ تعالى، في كِتَابِهِ: حَقائِقُ عَنِ التَّصَوُّفِ:

يَقُولُ ابْنُ عجيبة: (وَالنَّاسُ في إِثْبَاتِ الخُصُوصِيَّةِ وَنَفْيِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

1ـ قِسْمٌ أَثْبَتُوهَا للمُتَقَدِّمِينَ وَنَفَوْهَا عَنِ الـمُتَأَخِّرِينَ؛ وَهُمْ أَقْبَحُ العَوَامِّ.

2ـ وَقِسْمٌ أَقَرَّوْهَا قَدِيمَاً وَحَدِيثَاً، وَقَالُوا: إِنَّهُمْ أَخْفِيَاءُ في زَمَانِهِمْ، فَحَرَمَهُمُ اللهُ بَرَكَتَهُمْ.

3ـ وَقَوْمٌ أَقَرُّوا الخُصُوصِيَّةَ في أَهْلِ زَمَانِهِمْ، مَعَ إِقْرَارِهِمْ بِخُصُوصِيَّةِ السَّلَفِ، وَعَرَّفُوهُمْ، وَظَفِرُوا بِهِمْ، وَعَظَّمُوهُمْ؛ وَهُمُ السُّعَدَاءُ الذينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُرَحِّلَهُمْ إِلَيْهِ وَيُقَرِّبَهُمْ إِلَى حَضْرَتِهِ، وَفِي الحِكَمِ: (سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ الدَّلِيلَ أَوْلِيَائِهِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوصِلْ إِلَيْهِمْ إِلَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُوصِلَهُ إِلَيْهِ).

وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ شَيْخَ التَّرْبِيَةِ انْقَطَعَ، فَإِنَّ قُدْرَةَ اللهِ تَعَالَى عَامَّةٌ، وَمُلْكَ اللهِ قَائِمٌ؛ وَالأَرْضُ لَا تَخْلُو مِمَّنْ يَقُومُ بِالحُجَّةِ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ) "البحر المديد في تفسير القرآن المجيد" لابن عجيبة ج1/ص77.

وَيَحْضُرُنِي في هَذَا الـمَوْضُوعِ أَبْيَاتٌ لِبَعْضِهِمْ يَرُدُّ فِيهَا عَلَى مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الـمُرْشِدِينَ قَدْ عُدِمُوا في هَذَا العَصْرِ أَو قَلُّوا، قَالَ:

يَقُولُ قَوْمٌ عَنْ هُدَاهُمْ ضَلُّوا    ***   قَدْ عُدِمُوا في عَصْرِنَا أَو قَلُّوا

فَـقُـلْـتُ: كَـلَّا إِنَّمَا قَـدْ جَلُّوا   ***   عَـنْ أَنْ تَـرَاهُمْ أَعْيُنُ الجُهَّالِ

وَقَدْ أَدْرَكْنَا وَالحَمْدُ للهِ في زَمَنِنَا هَذَا رِجَالَاً عَارِفِينَ مُرْشِدِينَ قَدْ تَوَفَّرَتْ فِيهِمْ شُرُوطُ التَّرْبِيَةِ عَلَى الكَمَالِ، ذَوِي هِمَّةٍ وَحَالٍ وَمَقَالٍ، تَخَرَّجَ عَلَى أَيْدِيهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَانْتَفَعَ بِهِمْ جَمٌّ غَفِيرٌ، وَلَكِنَّ الخَفَّاشَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبْصِرَ النُّورَ.

وَللمُرْشِدِ شُرُوطٌ لَا بُدَّ مِنْهَا حَتَّى يَتَأَهَّلَ لِإِرْشَادِ النَّاسِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ:

1ـ أَنْ يَكُونَ عَالِمَاً بِالفَرَائِضِ العَيْنِيَّةِ.

2ـ أَنْ يَكُونَ عَارِفَاً بِاللهِ تَعَالَى.

3ـ أَنْ يَكُونَ خَبِيرَاً بِطَرَائِقِ تَزْكِيَةِ النُّفُوسِ وَوَسَائِلِ تَرْبِيَتِهَا.

4ـ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونَاً بِالإِرْشَادِ مِنْ شَيْخِهِ.

1ـ أَمَّا الشَّرْطُ الأَوَّلُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الـمُرْشِدُ عَالِمَاً بِالفَرَائِضِ العَيْنِيَّةِ: كَأَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ ـــ إِنْ كَانَ مَالِكَاً للنِّصَابِ ـــ وَأَحْكَامِ الـمُعَامَلَاتِ وَالبُيُوعِ ـــ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَعَاطَى التِّجَارَةَ ـــ ... إلخ. وَأَنْ يَكُونَ عَالِمَاً بِعَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ في التَّوْحِيدِ، فَيَعْرِفُ مَا يَجِبُ للهِ تَعَالَى وَمَا يَجُوزُ وَمَا يَسْتَحِيلُ إِجْمَالَاً وَتَفْصِيلَاً، وَكَذَلِكَ في حَقِّ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهَكَذَا سَائِرُ أَرْكَانِ الإِيمَانِ.

2ـ وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي: فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَقَّقَ الـمُرْشِدُ بِعَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَمَلَاً وَذَوْقَاً بَعْدَ أَنْ عَرَفَهَا عِلْمَاً وَدِرَايَةً، فَيَشْهَدَ في قَلْبِهِ وَرُوحِهِ صِحَّتَهَا، وَيَشْهَدَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى وَاحِدٌ في ذَاتِهِ، وَاحِدٌ في صِفَاتِهِ، وَاحِدٌ في أَفْعَالِهِ، وَيَتَعَرَّفَ عَلَى حَضَرَاتِ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى ذَوْقَاً وَشُهُودَاً، وَيُرْجِعُهَا إِلَى الحَضْرَةِ الجَامِعَةِ، وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ تَعَدُّدُ الحَضَرَاتِ، إِذْ تَعَدُّدُ الحَضَرَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الذَّاتِ.

رَحِمَ اللهُ تعالى شَيْخَنَا رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَجَزَى اللهُ تعالى خَيْرَ الجَزَاءِ مَنْ قَالَ في حَقِّهِ:

وَعَـلَى أَبِي أَيُّـوبَ حَلَّ فَـقِيدُنَا    ***   ضَـيْـفَـاً فَـكَـانَ لَـهُ المَقَامُ الأَرْفَعُ

بِـجِوَارِ مَنْ نَزَلَ الحَبِيبُ بِدَارِهِ    ***   وَاخْتَارَهُ بِـالـفَـضْـلِ رَبٌّ مُـبْـدِعُ

وَلَهُ مِنَ الـشَّهْبَـاءِ أَصْـلٌ ثَابِتٌ   ***   وَعَلَى ذُرَا اسْتَنْبُولَ مَـثْـوَىً يَسْطَعُ

ذِكْرَاهُ إِنْ ذُكِرَتْ ذُكَاءُ فَمَشْرِقٌ    ***   وَسَنَاهُ إِنْ طَلَعَ الهِلَالُ فَـمَـطْـلِـعُ

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 29/ صفر الخير /1442هـ، الموافق: 16/تشرين الأول / 2020م