124ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1442هـ

124ـ كلمات في مناسبات: درس فجر عيد الأضحى المبارك 1442هـ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَا نَحْنُ في آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، هَا نَحْنُ في يَوْمِ النَّحْرِ، المُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَا مَنْ وَسَّعَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ، كُنْ حَرِيصًا عَلَى الأُضْحِيَةِ التي شَرَعَهَا اللهُ تعالى لِخَلْقِهِ، وَخَاصَّةً لِمَنْ حُرِمَ نِعْمَةَ الوُقُوفِ في أَرْضِ عَرَفَةَ.

فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى قَدْ غَفَرَ لِأَهْلِ عَرَفَةَ، وَبَدَّلَ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ، فَإِنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَنَّ اللهَ تعالى يَغْفِرُ للعَبْدِ المُضَحِّي بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِ الأُضْحِيَةِ، روى الحاكم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «قَوْمِي إِلَى أُضْحِيَّتِكَ فَاشْهَدِيهَا، فَإِنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا يُغْفَرُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبُكَ».

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ خَاصَّةً، أَوْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟

قَالَ: «بَلْ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً».

الأُضْحِيَةُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ يَتَسَاءَلُونَ اليَوْمَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، الأُضْحِيَةُ أَمِ الصَّدَقَةُ؟ الجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ:

أولًا: الأُضْحِيَةُ وَاجِبَةٌ أَو سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، وَهِيَ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ في أَيَّامِ النَّحْرِ، حَتَّى صَرَّحَ المَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الأُضْحِيَةَ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ، وَلَو زَادَ ثَمَنُ الرَّقَبَةِ عَلَى أَضْعَافِ ثَمَنِ الأُضْحِيَةِ، لِأَنَّ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تُؤْخَذُ بِالنَّقْلِ لَا بِالعَقْلِ.

ثانيًا: لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى، وَالخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَذَلِكَ، وَلَو عَلِمُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ لَتَرَكُوا الأُضْحِيَةَ وَتَصَدَّقُوا، وَلَكِنِ الْتَزَمُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾.

ثالثًا: الأُضْحِيَةُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ، لِحَدِيثِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلَاً أَحَبَّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ» أَخْرَجَهُ ابن ماجه.

رابعًا: لِأَنَّ إِيثَارَ الصَّدَقَةِ عَلَى الأُضْحِيَةِ يُفْضِي إلى تَرْكِ سُنَّةٍ سَنَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ صَحَّ في الحَدِيثِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. رواه مسلم. 

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ تَزْهِيدَ النَّاسِ في الأُضْحِيَةِ خُطَّةٌ مَاكِرَةٌ مِنْ قِبَلِ أَعْدَاءِ هَذَا الدِّينِ لِصَرْفِ النَّاسِ عَنْ شَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ، لَقَدْ شَرَعَهَا لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الفُقَرَاءُ مَوْجُودِينَ في زَمَنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفي زَمَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلى يَوْمِنَا هَذَا، وَمَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الأُمَّةِ وَلَا خَلَفِهَا قَالَ: الصَّدَقَةُ خَيْرٌ مِنَ الأُضْحِيَةِ وَأَفْضَلُ.

وروى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَاقِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ.

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ.

فَقَالَتْ: صَدَقَ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ادَّخِرُوا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ».

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ، وَيَجْمُلُونَ (يُذِيبُونَ) مِنْهَا الْوَدَكَ (دَسَمَ اللَّحْمِ).

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟».

قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ.

فَقَالَ: «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا».

وَأَنَا أَتَسَاءَلُ يَا عِبَادَ اللهِ: لِمَاذَا لَا تَكُونُ المُقَارَنَاتُ إِلَّا بَيْنَ العُمْرَةِ وَالأُضْحِيَةِ وَشَعَائِرِ الإِسْلَامِ وَبِنَاءِ المَسَاجِدِ؛ وَبَيْنَ الفُقَرَاءِ؟!

لِمَاذَا لَا يُقَالُ: لَا تَشْتَرِ لَحْمًا مَرَّتَيْنِ في الأُسْبُوعِ وَاشْتَرِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِالشَّهْرِ وَطُفْ حَوْلَ الفُقَرَاءِ؟

لِمَاذَا لَا يُقَالُ: لَا تَشْرَبُوا السَّجَائِرَ، وَادْفَعُوا ثَمَنَهَا للفُقَرَاءِ؟

لِمَاذَا لَا يُقَالُ: اتْرُكُوا قَاعَاتِ الأَفْرَاحِ وَالأَثْمَانَ البَاهِظَةَ وَطُوفُوا حَوْلَ الفُقَرَاءِ؟

لِمَاذَا لَا يُقَالُ: اتْرُكُوا المَصَايِفَ والنُزُهَاتِ وَطُوفُوا حَوْلَ الفُقَرَاءِ؟

لِمَاذَا تُنْفَقُ الأَمْوَالُ في التَّرَفِ وَالغِنَاءِ وَالأَفْلَامِ وَالمُسَلْسَلَاتِ وَالمُبَارَيَاتِ وَالنِّتِّ، وَلَا يُطَافُ بِهَذِهِ الأَمْوَالُ حَوْلَ الفُقَرَاءِ؟! لِمَاذَا!! وَلِمَاذَا!!

سُؤَالُنَا نَحْنُ الآنَ: لِمَاذَا لَا تَتْرُكُونَ لَنَا شَعَائِرَنَا نَتَمَتَّعُ بِهَا؟ لِمَاذَا تُقَارِنُونَ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا ذَاتُ فَضْلٍ، وَكَأَنَّهُ يُشَارُ للنَّاسِ أَنْ يَتْرُكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَيَهْتَمُّوا بِعِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ!!

إِنَّ هَذِهِ الأَسْئِلَةَ قَدْ تُدَبَّرُ بِلَيْلٍ مِمَّن يَكِيدُونَ لِهَذَا الدِّينِ، ثُمَّ تُخْرَجُ بِالنَّهَارِ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَيَتَلَقَّفُهَا الذينَ يَنْخَدِعُونَ بِظَاهِرِ العِبَارَةِ وَرَوْنَقِهَا وَلَا يَعْلَمُونَ مَا وَرَاءَهَا مِنْ عَوَامِلِ هَدْمِ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ وَالخَفِيَّةِ.

ثُمَّ إِنَّ أَكْثَرَ مَنْ يُرَدِّدُ مِثْلَ هَذِهِ العِبَارَاتِ غَالِبًا لَا يَطُوفُ حَوْلَ الكَعْبَةِ، وَلَا حَوْلَ الفُقَرَاءِ.

وَخُلَاصَةُ الإِجَابَةِ عَنِ السُّؤَالِ أَنَّ الأُضْحِيَةَ أَفْضَلُ، فَحَافِظْ عَلَيْهَا وَلَا تَلْتَفِتْ لِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ التي تُرِيدُ نَفْيَ شَعَائِرِ المُسْلِمِينَ؛ وَمَاذَا لَوْ أَخَذْنَا بِالخَيْرَيْنِ، لِأَنَّهُمَا يُكَمِّلَانِ بَعْضَهُمَا، فَلَيْسَ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ نَجْعَلَهُمَا مُتَضَادَّيْنِ، وَهُمَا أَصْلًا مُتَلَازِمَانِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَحْيُوا سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَضَحُّوا وَتَقَرَّبُوا إلى اللهِ تعالى، وَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا.

لَا تَتَشَاءَمُوا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا تَتَشَاءَمُوا مِنَ المِحَنِ، وَلَا يَضِقْ صَدْرُكُم مِنْهَا، لِأَنَّ المِحَنَ كَاشِفَةٌ لِمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ الإِنْسَانُ، فَإِنَّهَا تُظْهِرُ مَعْدِنَهُ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَكُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدِ انْطَوى وَجُبِلَ عَلَى خُلُقِ الرَّحْمَةِ وَالأَخْلَاقِ الحَمِيدَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾.

فَكَيْفَ تَظْهَرُ هَذِهِ الرَّحْمَةُ وَتِلْكَ الأَخْلَاقُ لَوْلَا المِحَنُ!؟

هَلْ هَذِهِ المِحَنُ جَعَلَتْ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَشَائِمًا؟ لَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ، بَلْ مَا زَادَتْهُ إِلَّا تَفَاؤُلًا، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ الشَّدَائِدَ لَمْ وَلَنْ تَدُومَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَلِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾. وَلِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ تعالى يُرِيدُ أَنْ يَرَى مِنْ عَبْدِهِ الشُّكْرَ في الرَّخَاءِ، وَالصَّبْرَ عِنْدَ البَلَاءِ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَابِرًا شَاكِرًا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المِحَنُ وَالشَّدَائِدُ مَا زَادَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا تَفَاؤُلًا، وَتَجَلَّى هَذَا عِنْدَمَا قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَخْرَجُوكَ؟ ـ يَعْنِي قُرَيْشًا ـ

فَقَالَ: «يَا زَيْدُ، إنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرْجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ».

تَفَاءَلُوا وَلَا تَتَشَاءَمُوا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ، إِذَا حَاسَبْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَاصْطَلَحْتُمْ مَعَ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وتعالى، وَاتَّقَيْتُمُ اللهَ تعالى، وَصَبَرْتُمْ عَلَى مَا قَدَّرَهُ عَلَيْكُمْ، فَهُوَ القَائِلُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. وَالقَائِلُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

لَا تَحْزَنْ عَلَى الدُّنْيَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الدُّنْيَا لَا تُسَاوِي عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، فَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ الحُزْنَ عَلَيْهَا.

صَاحِبُ الهِمَّةِ العَالِيَةِ هَمُّهُ الآخِرَةُ، وَصَاحِبُ الهِمَّةِ الدَّنِيَّةِ هَمُّهُ الدُّنْيَا.

صَاحِبُ الهِمَّةِ العَالِيَةِ لَا يَهْتَمُّ بِتَوَافِهِ الأُمُورِ.

اجْعَلْ هَمَّكَ لِقَاءَ اللهِ تعالى في الآخِرَةِ وَهُوَ رَاضٍ عَنْكَ.

اجْعَلْ هَمَّكَ هَمَّ الوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ مَوْلَاكَ للعَرْضِ وَالحِسَابِ ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾.

وَصْفُ المُنَافِقِينَ ﴿أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ﴾.

الهُمُومُ التَّافِهَةُ الرَّخِيصَةُ يَحْمِلُهَا كُلُّ تَافِهٍ وَرَخِيصٍ، فَالمُؤْمِنُ الحَقُّ هَمُّهُ الآخِرَةُ، لِذَلِكَ فَهُوَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ.

أَنْتَ لَا تَدرِي العَوَاقِبَ

أَنْتَ وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَا تَدرِي العَوَاقِبَ، فَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ في طَيِّ نِقْمَةٍ؟ وَكَمْ مِنْ خَيْرٍ في جِلْبَابِ شَرٍّ؟

هَلْ نَسِيتَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾؟

وَهَلْ نَسِيتَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾؟

إِذَا جَاءَتِ الهُمُومُ وَالأَحْزَانُ وَالمَصَائِبُ اسْتَعِنْ عَلَيْهَا بِالصَّلَاةِ، فَالصَّلَاةُ خَيْرُ مُعِينٍ عَلَى المَصَاعِبِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

بِالصَّلَاةِ تَسْمُو الرُّوحُ في آفَاقٍ عُلْوِيَّةٍ، وَتُهَاجِرُ إلى فَضَاءِ النُّورِ وَالفَلَاحِ وَالنَّجَاحِ، وَتَذَكَّرْ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى» رواه أبو داود عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

مَاءُ السَّعَادَةِ:

السَّعَادَةُ شَجَرَةٌ مَاؤُهَا وَغِذَاؤُهَا وَهَوَاؤُهَا وَضِيَاؤُهَا الإِيمَانُ بِاللهِ تعالى، وَبِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ، وَبِالدَّارِ الآخِرَةِ.

كُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ تعالى رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ تعالى أَنْ يُرْضِيَهُ.

السَّعَادَةُ وَالنَّجَاحُ وَالفَلَاحُ أَنْ يَرْضَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنَّا، وَيَرْضَى عَنَّا مَنْ حَوْلَنَا، وَأَنْ تَكُونَ نُفُوسُنَا رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَإِنْ كُنَّا كَذَلِكَ قِيلَ لَنَا: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.

البَشَرِيَّةُ حَائِرَةٌ:

وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، البَشَرِيَّةُ كُلُّهَا حَائِرَةٌ، وَهِيَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى مَعْرِفَةِ هَذَا الدِّينِ العَظِيمِ الذي بِهِ يُرَدُّ إِلَيْهَا أَمْنُهَا، وَسَكِينَتُهَا، وَطُمَأْنِينَتُهَا ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

البَشَرِيَّةُ كُلُّهَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ تَحْتَاجُ إلى هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ الذي أَتَمَّهُ وَأَكْمَلَهُ اللهُ تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.

وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

مَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا في العَالَمِ إِنْ كَانَ عَاقِلًا يَتَّبِعُ سَبِيلًا غَيْرَ سَبِيلِ اللهِ تعالى.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الثلاثاء: 10/ ذو الحجة /1442هـ، الموافق: 20/ تموز / 2021م