127ـ المهاجر من هجر ما نهى الله عنه

127ـ المهاجر من هجر ما نهى الله عنه

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَنَحْنُ نَعِيشُ ذِكْرَى هِجْرَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْمُهَاجِرَ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى الله عَنْهُ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».

هِجْرَةُ الأَعْمَالِ التي تُسْخِطُ اللهَ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الهِجْرَةُ تَكُونُ بِالانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الكُفرِ إلى دَارِ الإِيمَانِ، وَهَذَا قَدْ مَضَى عَهْدُهُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَالآنَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الانْتِقَالُ مِنْ أَعْمَالِ الكُفَّارِ وَالحَاقِدِينَ وَالحَاسِدِينَ عَلَى هَذَا الدِّينِ، إلى أَعْمَالِ المُسْلِمِينَ، هَلُمُّوا لِهَجْرِ بَعْضِ الأُمُورِ التي تُسْخِطُ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ:

أولًا: أَلْفَاظُ الكُفْرِ التي تَفَشَّتْ في المُجْتَمَعِ، هَذِهِ الكَلِمَاتُ التي تُحْبِطُ العَمَلَ، وَتُخْرِجُ العَبْدَ عَنْ دَائِرَةِ الإِيمَانِ، وَتُدْخِلُهُ دَائِرَةَ الرِدَّةِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، وَتَفْسَخُ عَقْدَ الزَّوَاجِ.

ثانيًا: الرِّبَا الذي تَفَشَّى في المُجْتَمَعِ، هَذَا الرِّبَا الذي يَسْتَوْجِبُ الحَرْبَ مِنَ اللهِ تعالى، وَمِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾. وَيَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَةَ للآكِلِ وَالمُؤْكِلِ وَالكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ وَالكَفِيلِ.

ثالثًا: إِيذَاءُ المُسْلِمِينَ الذي تَفَشَّى في المُجْتَمَعِ، الذي يُحَمِّلُ العَبْدَ الإِثْمَ، قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾.

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا.

قَالَ: «هِيَ فِي النَّارِ».

رابعًا: الغِيبَةُ التي تَفَشَّتْ في المُجْتَمَعِ، والتي كَانَتْ سَبَبًا لِتَمْزِيقِ الأُمَّةِ، وَالتي حَذَّرَنَا مِنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «أَتَدْرُونَ مَا الغِيبَةُ؟».

قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ».

قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟

قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خامسًا: تَتَبُّعُ عَوْرَاتِ المُسْلِمِينَ الذي تَفَشَّى في المُجْتَمَعِ، وَالذي أَوْقَعَ الضَّغِينَةَ في النُّفُوسِ، وَقَطَعَ أَوَاصِرَ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، وَالذي حَذَّرَنَا مِنْهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» رواه الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

سادسًا: المِنَّةُ التي تُحْبِطُ العَمَلَ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ».

سابعًا: النَّمِيمَةُ التي تُفْسِدُ العَلَاقَةَ بَيْنَ المُتَحَابِّينَ، وَهِيَ مُحَرَّمَةُ بِإِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ، قَالَ تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾.

وروى الإمام مسلم عَنْ حُذيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ».

وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِظَلَّامٍ للعَبِيدِ، إِنَّ مَا يَجْرِي في بَلَدِنَا وفي أُسَرِنَا، وَفي عَوَائِلِنَا، زَاجِرٌ عَظِيمٌ، وَرَادِعٌ قَوِيٌّ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَو أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.

مَدَارُ السَّعَادَةِ هُوَ القُرْبُ مِنَ اللهِ تعالى وَتَقْوَاهُ، عَلِمَ ذَلِكَ مَنْ تَدَبَّرَ كِتَابَ اللهِ تعالى وَوَعَاهُ، وَعَرَفَ مَعْنَاهُ، وَتَجَرَّدَ للحَقِّ وَلَمْ يَتَّبِعْ هَوَاهُ.

يَا مَنْ تَكَلَّمْتُمْ عَنْ هِجْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اهْجُرُوا مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ، وَالْتَزِمُوا مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، يَخْرِقْ لَكُمْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَوَائِدَهُ، وَإِلَّا فَلَا يَلُومَنَّ عَبْدٌ إِلَّا نَفْسَهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 4/ محرم /1443هـ، الموافق: 12/ آب / 2021م