12ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كله رحمة (3)

12ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كله رحمة (3)

مقدمة الكلمة:

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَحْمَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا حُدُودَ لَهَا، وَلَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُدَانِيَهُ في الرَّحْمَةِ؛ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَبَرَّأَ مِنْ أَبِيهِ آزَرَ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَخَرَجَ مِنْ قَوْمِهِ وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهِمْ، وَقَصَرَ دُعَاءَهُ بِالرِّزْقِ مِنَ الثَّمَرَاتِ عَلَى مَنْ آمَنَ فَقَطْ، وَاعْتَذَرَ عَنْ عَدَمِ الشَّفَاعَةِ في أَرْضِ المَحْشَرِ.

الفَرْقُ بَيْنَ آزَرَ وَأَبِي طَالِبٍ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَقَدَّمَ مَعَنَا الكَلَامُ في الدَّرْسِ المَاضِي عَنْ مَوْقِفِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ في الدُّنْيَا وَفي الآخِرَةِ.

نَعَمْ، هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ آزَرَ وَأَبِي طَالِبٍ، فَقَدْ كَانَ آزَرُ مَعَ قَوْمِهِ ضِدَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَدْ هَدَّدَهُ بِالرَّجْمِ، أَمَّا أَبُو طَالِبٍ فَقَدْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ المُصْطَفَى الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضِدَّ قَوْمِهِ يُدَافِعُ عَنْهُ وَيَحْمِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَةِ، مَعَ اعْتِقَادِهِ بِصِدْقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَكَذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ حِينَ هَاجَرَ إلى المَدِينَةِ، بَلْ عَادَ إِلَيْهَا فَاتِحًا مُطَهِّرًا، حَتَّى صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ، وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ.

كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ المُصْطَفَى الكَرِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ، مَعَ مَا فَعَلُوهُ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُمْ، وَلَمْ يَقِفْ مَكْتُوفَ اليَدِ وَهُوَ يَرَاهُمْ قَدْ هَلَكُوا، مَعَ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، كَمَا لَمْ يَرْضَ أَنْ يُهْلكَهُمْ مَلَكُ الجِبَالِ بِإِطْبَاقِ الجَبَلَيْنِ عَلَيْهِمْ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَهَا ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».

فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ.

فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».

قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ.

فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟».

فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ.

فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ».

فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلاَدِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟

فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ.

فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ؟

قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا وَاللهِ، لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ، حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وفي رواية للبيهقي: قَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا صَبَوْتُ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ مُحَمَّدَاً وَآمَنْتُ بِهِ، وَايْمُ الذي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ، لا يَأْتِيكُمْ حَبَّةٌ مِنَ اليَمَامَةِ ـ وَكَانَتْ رِيفَ مَكَّةَ ـ مَا بقَيِتُ، حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَانْصَرَفَ إلى بَلَدِهِ، وَمَنَعَ الحَمْلَ إلى مَكَّةَ، حَتَّى جَهِدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِم أَنْ يَكْتُبَ إلى ثُمَامَةَ يُخَلِّي إِلَيْهِمْ حَمْلَ الطَّعَامِ؛ فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

مَـقَـامُكَ مِنْ كُـلِّ الـمَقَـامَاتِ أَرْفَــعُ   ***   وَسَـيْـفُكَ مِـنْ كُلِّ الصَّوَارِمِ أَقْطَعُ

وَوَجْــهُكَ نُورٌ وَالــسَّجَايَا حَـمِـيدَةٌ    ***   وَقَــوْلُكَ في كُـــلِّ المَيَادِينِ أَوْقَــعُ

شَـمَـائِلُكَ المَـعْـرُوفُ وَالحِلْمُ وَالتُّقَى   ***   وَأَخْــلاقُـكَ الـقُرآنُ أَصْلٌ وَأَفْـرُعُ

مَـحَـجَّتُكَ الـبَــيْـضَاءُ هَـدْيٌ وَرَحْمَـةٌ   ***   وَما زَاغَ إلَّا هَـــالِكٌ .. يَــــتَلَعْلعُ

لِـوَاؤُكَ مَـعْـقُودٌ عَـلَى الـعَزْمِ وَالـمَضَا   ***   وَحَوْضُكَ مَوْرُودٌ فَطُوبَى لِمَنْ دُعُوا

ويَا بُؤْسَ مَنْ ذِيدُوا عَنِ الحَوْضِ يَوْمَهَا   ***   وَقِـيــلَ لَـهُــمْ بُعْدًا فَلَا ثَمَّ مَوْضِعُ

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ العُظْمَى دُنْيَا وَأُخْرَى. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 22/محرم /1443هـ، الموافق: 30/ آب / 2021م