55ـ ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾

55ـ ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ الدُّرُوسِ العَمَلِيَّةِ التي نَتَعَلَّمُهَا مِنْ سُورَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، أَنَّ تَبْلِيغَ رِسَالَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَجَّانِيَّةٌ، لِأَنَّهَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الحَيَاةِ، كَالشَّمْسِ وَالهَوَاءِ، وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى بِخَلْقِهِ، فَهُوَ يُعَمِّمُ هَذِهِ الدَّعْوَةَ بِدُونِ مُقَابِلٍ، كَمَا يُعَمِّمُ الشَّمْسَ وَالرِّيَاحَ وَالمَطَرَ، لِأَنَّ اللهَ تعالى بِالنَّاسِ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.

﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾:

قَالَ تعالى في سُورَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾. الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿عَلَيْهِ﴾ يَعُودُ إلى أَنْبَاءِ الغَيْبِ وَالقُرْآنِ، وَالتَّبْلِيغِ بِهَذَا الدِّينِ.

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَى هَذَا التَّبْلِيغِ بِهَذِهِ الأَنْبَاءِ، وَالقُرْآنِ الكَرِيمِ، وَبِوَحْدَانِيَّةِ اللهِ تعالى، وَمَا هُوَ مُرَادُ اللهِ تعالى مِنْ خَلْقِهِ، وَمَا لَهُمْ إِنْ آمَنُوا، وَمَا عَلَيْهِمْ إِنْ هُمْ كَفَرُوا، لَا تَسْأَلُهُمْ أَيَّ أَجْرٍ، فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ لِبَيَانِ عُمُومِ النَّفْيِ، فَأَنْتَ لَا تَسْأَلُهُمْ أَيَّ أَجْرٍ مِنْ أَنْوَاعِ الأُجُورِ، فَأَنْتَ لَا تَسْأَلُهُمْ رِيَادَةً، وَلَا رِيَاسَةً، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ.

وَهُمْ قَدْ عَرَضُوا عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِمْ: فَإِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ بِهَذَا الحَدِيثِ مَالًا فَذَلِكَ لَكَ عَلَى قَوْمِكَ أَنْ يُجْمَعَ لَكَ حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ شَرَفًا فَنَحْنُ مُشَرِّفُوكَ حَتَّى لَا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ فَوْقَكَ وَلَا تُقْطَعَ الأُمُورُ دُونَكَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا عَنْ لَمَمٍ يُصِيبُكَ لَا تَقْدِرُ عَنِ النُّزُوعِ عَنْهُ بَذَلْنَا لَكَ خَزَائِنَنَا حَتَّى يُعْذَرَ في طَلَبِ الطِّبِّ لِذَلِكَ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ.

فَعِفَّةُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاضِحَةٌ، وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاةُ إلى اللهِ تعالى، لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ أَجْرًا عَلَى دَعْوَتِهِمْ إلى اللهِ تعالى، بَلْ يَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَعَفَّفُوا عَمَّا في أَيْدِي النَّاسِ حَتَّى يَقْبَلَ النَّاسُ دَعْوَتَهُمْ، قَالَ تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾. وَقَالَ سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ﴾. فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَفَّفَ الدُّعَاةُ إلى اللهِ تعالى عَمَّا في أَيْدِي النَّاسِ مِنْ أَمْوَالٍ وَمَتَاعٍ زَائِلٍ فَانٍ.

﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾:

أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾. فَلَيْسَ هَذَا الذِّكْرُ خَاصًّا بِصَحَابَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بَلْ للنَّاسِ كَافَّةً، وَلَيْسَ للإِنْسِ فَحَسْبُ، بَلْ للإِنْسِ وَالجِنِّ كَذَلِكَ، قَالَ تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾.

فَالقُرْآنُ نَذِيرٌ لِصَحَابَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلِمَنْ بَلَغَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَنْ أَتَى بَعْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَالقُرْآنُ تَذْكِرَةٌ وَمَوْعِظَةٌ لَهُ وَللإِنْسِ وَالجِنِّ، سَوَاءٌ الذينَ كَانُوا في زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَو بَعْدَ زَمِنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَالقُرْآنُ عَامٌّ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: في الخِتَامِ، كُلُّ دَعْوَة مَأْجُورَةٍ لَا يُرْجَى مِنْهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصُ القُرْآنِ العَظِيمِ تُرَكِّزُ عَلَى نَبْذِ أَخْذِ الأَجْرِ عَلَى الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تعالى، فَالأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَمِيعُهُمْ أَعْلَنُوا عَنْ هَذِهِ الحَقِيقَةِ صَرَاحَةً، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ﴿لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا﴾. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ﴿لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾.

وَيَقُولُ تعالى عَنْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في سُورَةِ يُوسُفَ: ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾.

وَفي سُورَةِ يس، يَقُولُ الرَّجُلُ لِقَوْمِهِ: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.

فَالكُلُّ أَجْرُهُمْ عَلَى اللهِ تعالى: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ﴾.

فَالدُّعَاةُ إلى اللهِ تعالى لَا يَسْأَلُونَ أَحَدًا عَلَى تَبْلِيغِ دَعْوَتِهِمْ مِنْ أَجْرٍ، مَادِّيٍّ أَو مَعْنَوِيٍّ، وَالأَجْرُ المَعْنَوِيُّ أَخْطَرُ مِنَ الأَجْرِ المَادِّيِّ، كَحُبِّ السِّيَادَةِ وَالرِّيَادَةِ وَالزَّعَامَةِ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الإِخْلَاصَ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الاثنين: 1/ شعبان /1442هـ، الموافق: 15/ آذار / 2021م