80ـ حتى لا يتثاقل مظلوم عن رفع ظلامته

80ـ حتى لا يتثاقل مظلوم عن رفع ظلامته

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَرْوِي قَاضِي المُوصِلِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الغَسَّانِيُّ فَيَقُولُ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَطُوفُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَسْوَاقِ حِمْصَ لِيَتَفَقَّدَ البَاعَةَ وَيَتَعَرَّفَ عَلَى الأَسْعَارِ، إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ عَلَيْهِ بُرْدَانِ أَحْمَرَانِ قَطْرِيَّانِ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّكَ أَمَرْتَ مَنْ كَانَ مَظْلُومًا أَنْ يَأْتِيَكَ.

فَقَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ: وَهَا قَدْ أَتَاكَ رَجُلٌ مَظْلُومٌ بَعِيدُ الدَّارِ.

فَقَالَ عُمَرُ: وَأَيْنَ أَهْلُكَ؟

فَقَالَ الرَّجُلُ: في عَدَنَ.

فَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ إِنَّ مَكَانَكَ مِنَ مَكَانِ عُمَرَ لَبَعِيدٌ.

ثُمَّ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، وَوَقَفَ أَمَامَهُ وَقَالَ: مَا ظُلَامَتُكَ؟

فَقَالَ: ضَيْعَةٌ لِي وَثَبَ عَلَيْهَا رَجُلٌ مِمَّنْ يَلُوذُونَ بِكَ وَانْتَزَعَهَا مِنِّي.

فَكَتَبَ عُمَرُ كِتَابًا إِلَى عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالِيهِ عَلَى عَدَنَ يَقُولُ فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِيَ هَذَا فَاسْتَمِعْ بَيِّنَةَ حَامِلِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فَادْفَعْ إِلَيْهِ حَقَّهُ؛ ثُمَّ خَتَمَ الكِتَابَ، وَنَاوَلَهُ للرَّجُلِ.

فَلَمَّا هَمَّ الرَّجُلُ بِالانْصِرَافِ قَالَ لَهُ عُمَرُ: عَلَى رِسْلِكَ، إِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَنَا مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ، وَلَا رَيْبَ في أَنَّكَ اسْتَنْفَدْتَ في رِحْلَتِكَ هَذِهِ زَادًا كَثِيرًا، وَأَخْلَقْتَ ثِيَابًا جَدِيدَةً، وَلَعَلَّهُ نَفَقَتْ لَكَ دَابَّةٌ، ثُمَّ حَسَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَبَلَغَ أَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ وَقَالَ: أَشِعْ ذَلِكَ في النَّاسِ حَتَّى لَا يَتَثَاقَلَ مَظْلُومٌ عَنْ رَفْعِ ظُلَامَتِهِ بَعْدَ اليَوْمِ، مَهْمَا كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ.

**   **    **

تاريخ الكلمة:

يوم الثلاثاء: 20/ رمضان / 1444 هـ، الموافق: 11/ نيسان / 2023 م