29ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان للناس

29ـ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان للناس

مقدمة الكلمة:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ تعالى أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ رَسُولَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَانًا للنَّاسِ، لِذَا فَلَا يُصَابُونَ بِعَذَابِ اسْتِئْصَالٍ، كَمَا كَانَ في الأُمَمِ السَّابِقَةِ، كَمَا جَعَلَهُ تعالى أَمَانًا لِأُمَّتِهِ، وَأَمَنَةً مِنَ العَذَابِ وَالهَلَاكِ لِأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ وَأَرْضَاهُمْ وَقَدْ فَعَلَ.

لِذَا لَمْ يَدْعُ عَلَى مُخَالِفِيهِ وَأَعْدَائِهِ في أَشَدِّ لَحَظَاتِ العَدَاوَةِ وَالصَّدِّ، بَلْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْهُمْ مَعَ عَدَاوَتِهِمْ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعُدْوَانِهِمْ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا حَصَلَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَانٌ للنَّاسِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَهُ أَمَانًا للنَّاسِ، فَلَا يُعَذَّبُونَ بِعَذَابٍ عَامٍّ، كَالغَرَقِ وَالطُّوفَانِ وَالزَّلَازِلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الأُمَمِ السَّابِقَةِ، حَيْثُ وَقَعَ عَلَيْهَا الهَلَاكُ وَأَنْبِيَاؤُهُمْ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.

فَقَدْ حَصَلَ الطُّوفَانُ في قَوْمِ نُوحٍ، وَنُوحٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيٌّ، فَهَلَكَ جَمِيعُ النَّاسِ إِلَّا مَنْ آمَنَ، وَهُمْ قِلَّةٌ، بَعْدَ أَنْ دَعَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾. لِذَا كَانَتِ النَّتِيجَةُ هِيَ الطُّوفَانَ.

وَقَالَ اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَى لِسَانِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ﴾.

وَقَالَ سُبْحَانَهُ وتعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.

وَحَلَّ العَذَابُ بِقَوْمِ عَادٍ وَهُودٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيٌّ، فَهَلَكُوا جَمِيعًا إِلَّا مَنْ آمَنَ، وَهُمْ قِلَّةٌ.

قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ تعالى: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾.

وَقَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾.

وَأَصَابَتِ الرَّجْفَةُ قَوْمَ صَالِحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ حَيٌّ فَهَلَكُوا جَمِيعًا، إِلَّا مَنْ آمَنَ، وَهُمْ قِلَّةٌ.

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾.

وَأَخَذَتِ الصَّيْحَةُ قَوْمَ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ حَيٌّ فَهَلَكُوا جَمِيعًا، بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ تعالى وَالذينَ آمَنُوا مَعَهُ وَهُمْ قِلَّةٌ.

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾.

وَخَسَفَ اللهُ تعالى بِقَوْمِ لُوطٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهُوَ حَيٌّ، بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ اللهُ تعالى مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، فَهَلَكُوا جَمِيعًا، إِلَّا مَنْ آمَنَ، وَهُمْ قِلَّةٌ.

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾.

وَقَالَ اللهُ تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾.

وَأَصَابَ بَنِي إِسْرَائِيلَ التِّيهُ وَالمَسْخُ، وَمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيٌّ فِيهِمْ، وَأَصَابَ فِرْعَوْنَ الغَرَقُ، وَسَلِمَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَوْمُهُ.

قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتعالى عَنْ غَرَقِ فِرْعَوْنَ: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.

وَأَمَّا مَا حَلَّ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ المَسْخِ وَالتِّيهِ، فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتعالى فِيهِمَا عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَدْ تَبَرَّأَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ أَنْ رَفَضُوا القِتَالَ: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾.

وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾.

وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تعالى أَنْوَاعَ العَذَابِ الذي حَلَّ بِالأُمَمِ السَّابِقَةِ.

قَالَ اللهُ تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.

وَهَكَذَا حَصَلَ مَعَ سَائِرِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

بِخِلَافِ رَسُولِ الرَّحْمَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَدْعُ، وَلَمْ يَتَبَرَّأْ حَتَّى مِنَ الذينَ آَذْوُهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا أَنْ وَضَعَ لَنَا أَمَانَيْنِ مِنَ العَذَابِ في الدُّنْيَا، الأَمَانَ الأَوَّلَ: وُجُودَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالأَمَانَ الثَّانِيَ الاسْتِغْفَارَ.

لِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَلْزَمَ الاسْتِغْفَارَ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يُزِيلُ بِهِ الهُمُومَ، وَيُفَرِّجُ بِهِ الكُرُوبَ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ، جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ».

وَبِهِ تُنَالُ القُوَّةُ وَالتَّمْكِينُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا هُودٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾.

اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 10/ربيع الأول /1445هـ، الموافق: 25/أيلول / 2023م