897ـ خطبة الجمعة: يا أيها الغافل، تدارك نفسك

897ـ خطبة الجمعة: يا أيها الغافل، تدارك نفسك

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ، لَو تَخَلَّى جَمِيعُ الخَلْقِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا ضَرُّوا إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، اللهُ تعالى غَنِيٌّ عَنْ خَلْقِهِ، لَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ طَائِعٍ، وَلَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ عَاصٍ، وَانْظُرُوا إلى الكَوْنِ كُلِّهِ، وَانْظُرُوا إلى السَّمَاءِ وَارْتِفَاعِهَا، وَإلى الأَرْضِ وَاتِّسَاعِهَا، وَانْظُرُوا إلى الجِبَالِ وَأَثْقَالِهَا، وَانْظُرُوا إلى البِحَارِ وَأَمْوَاجِهَا، انْظُرُوا إلى كُلِّ مَا هُوَ سَاكِنٌ أَو مُتَحَرِّكٌ، فَوَاللهِ إِنَّ الكُلَّ يُقِرُّ بِتَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُعْلِنُ الشُّكْرَ للهِ تَبَارَكَ وتعالى، وَلَا يَغْفُلُ عَنْ ذِكْرِ مَوْلَاهُ، إِلَّا كَفَرَةُ الإِنْسِ وَالجِنِّ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

قَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾.

وَيَقُولُ تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾.

يَا أَيُّهَا الغَافِلُ، تَدَارَكْ نَفْسَكَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِكُلِّ غَافِلٍ مُتَمَرِّدٍ عَلَى أَوَامِرِ اللهِ تعالى، وَاللهِ أَنْتَ مِسْكِينٌ مَغْرُورٌ غَافِلٌ، تَدَارَكْ نَفْسَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، حَتَّى لَا تَقُولَ: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾. حَتَّى لَا تَقُولَ: ﴿رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. حَتَّى لَا تَقُولَ: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾.

يَا أَيُّهَا الغَافِلُ، تَدَارَكْ نَفْسَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَإِلَّا فَسَتَأْكُلُ الحَسْرَةُ قَلْبَكَ وَاللهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾.

يَا أَيُّهَا الغَافِلُ، تَدَارَكْ نَفْسَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، حَتَّى لَا تَعَضَّ عَلَى يَدَيْكَ مِنَ النَّدَمِ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾.

يَا أَيُّهَا الغَافِلُ، تَدَارَكْ نَفْسَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، فَوَاللهِ إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَحْصِيٌّ عَلَيْكَ، مِنَ الأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، جَمِيعُ أَعْمَالِكَ التي صَدَرَتْ مِنْكَ في خَلْوَتِكَ وَجَلْوَتِكَ مَحْصِيَّةٌ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ غَافِلٌ عَنْ هَذِهِ الحَقِيقَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.

يَا أَيُّهَا الغَافِلُ، تَدَارَكْ نَفْسَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، فَلَنْ يَتَحَمَّلَ أَحَدٌ مِنَ الخَلْقِ أَوْزَارَكَ، تَدَارَكْ نَفْسَكَ وَأَنْتَ تَسْتَحْضِرُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عَبْدَ اللهِ: أَلَسْتَ مُؤْمِنًا بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ، أَوَلَسْتَ مُؤْمِنًا بِالعَرْضِ وَالحِسَابِ عَلَى اللهِ تعالى؟ بِاللهِ عَلَيْكَ، أَلَا تُرِيدُ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟

إِذَا كُنْتَ مُؤْمِنًا، وَحَرِيصًا عَلَى سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اسْمَعْ إلى قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لِمَاذَا العِصْيَانُ؟ لِمَاذَا العِنَادُ؟ أَلَا تَشْعُرُ بِفَقْرِكَ إلى اللهِ تعالى؟

ارْحَمْ نَفْسَكَ، ارْحَمْ نَفْسَكَ، ارْحَمْ نَفْسَكَ، وَاللهِ لَنْ تُطِيقَ عَذَابَ اللهِ تعالى، ارْحَمْ نَفْسَكَ وَانْسَجِمْ مَعَ الكَوْنِ كُلِّهِ الذي قَالَ للهِ تعالى: ﴿أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾. مَنْ أَنْتَ في عَالَمِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟ وَاللهِ مَا أَنْتَ إِلَّا هَبَاءٌ، فَاسْمَعْ أَمْرَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 23/ جمادى الآخرة /1445هـ، الموافق: 5/ كانون الثاني / 2024م