142ـ كلمات في مناسبات: فجر عيد الفطر 1445 هـ

142ـ كلمات في مناسبات: فجر عيد الفطر 1445 هـ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دَخَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ، دَخَلْنَا هَذَ المَوْسِمَ العَظِيمَ، حَيْثُ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ.

دَخَلْنَا هَذَ المَوْسِمَ العَظِيمَ بِمَزَايَاهُ التي تَخْتَلِفُ عَنْ سَائِرِ الشُّهُورِ، حَيْثُ «فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ».

دَخَلْنَا هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ وَخَرَجْنَا مِنْهُ، رَبِحَ فِيهِ مَنْ رَبِحَ، وَخَسِرَ فِيهِ مَنْ خَسِرَ، وَمَنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِطَاعَةٍ يَتَوَجَّعُ قَلْبُهُ لِفِرَاقِهِ، وَيَظَلُّ يَتَذَكَّرُ أَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ، وَيَتَّخِذُ مِنْهَا مَنْهَجًا لِحَيَاتِهِ، فَيَصُومُ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَيُحَافِظُ عَلَى صِيَامِ الأَيَّامِ البِيضِ، مَعَ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، وَيَتَّخِذُ مِنْهَا مِنْهَاجًا للمُحَافَظَةِ عَلَى زِيَادَةِ النَّوَافِلِ مِنْ صَلَاةٍ وَتِلَاوَةٍ للقُرْآنِ العَظِيمِ، وَصَدَقَاتٍ، وَمِنْ سَائِرِ القُرُبَاتِ التي أَتَاهَا في شَهْرِ رَمَضَانَ.

هَؤُلَاءِ الذينَ تَذَوَّقُوا حَلَاوَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ يَسْتَقِيمُونَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَتَلَوَّنُونَ؛ لَمَّا حَضَرَتِ الوَفَاةُ سَيِّدَنا حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَلَسَ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ: اعْهَدْ إِلِيَّ.

فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ يَأْتِكَ الْيَقِينُ؟

قَالَ: بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّي.

قَالَ: فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّلَالَةَ حَقَّ الضَّلَالَةِ أَنْ تَعْرِفَ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ، وَأَنْ تُنْكِرَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنَ، فَإِنَّ دِينَ اللهِ وَاحِدٌ.

الأَعْمَالُ بَعْدَ رَمَضَانَ لَا تَنْقَطِعُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لَا تَنْقَطِعُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، لِأَنَّ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾. وَيَقُولُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾.

فَلْنُحَافِظْ عَلَى العِبَادَاتِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ:

أَوَّلًا: صَلَاةُ النَّافِلَةِ، وَأَقُولُ لِمَنْ كَانَ يُصَلِّي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مِنَ التَّرَاوِيحِ: هَلْ تُحَافِظُ عَلَى هَذِهِ الرَّكَعَاتِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، لِأَنَّكَ كُنْتَ تَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ ثَمَانِي رَكَعَاتِ مِنْ خِلَالِ الحَدِيثِ الذي رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟

فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا.

ثَانِيًا: صِيَامُ النَّافِلَةِ، لِنُحَافِظْ عَلَى صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلْنُحَافِظْ عَلَى صِيَامِ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تَصُومُ لَا تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ، وَتُفْطِرُ حَتَّى لَا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ إِلَّا يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلَا فِي صِيَامِكَ، وَإِلَّا صُمْتَهُمَا.

قَالَ: «أَيُّ يَوْمَيْنِ؟».

قَالَ: قُلْتُ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمُ الْخَمِيسِ.

قَالَ: «ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ صَائِمًا مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلْيَصُمِ الثَّلَاثَ الْبِيضَ».

ثَالِثًا: تِلَاوَةُ القُرْآنِ، لِنُحَافِظْ عَلَى تِلَاوَةِ كَلَامِ اللهِ تعالى بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلْنَحْذَرْ مِنْ هَجْرِهِ حَتَّى لَا نَقَعَ في الوَعِيدِ النَّبَوِيِّ: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾

رَابِعًا: صَدَقَاتُ النَّافِلَةِ، لِنُحَافِظْ عَلَى الصَّدَقَاتِ، وَنَحْنُ نَـسْتَحْضِرُ قَوْلَهُ تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. حَتَّى لَا نَنْدَمَ عِنْدَمَا يَحْضُرُنَا المَوْتُ، لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ عِنْدَمَا يَحْضُرُهُمُ المَوْتُ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ لَوْ أُخِّرُوا لَحْظَةً حَتَّى يَصَّدَّقُوا، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُبَادِرْ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَطُوبَى لِمَنْ بَادَرَ عُمَرَهُ القَصِيرَ فَعَمَّرَ بِهِ دَارَ المَصِيرِ، وَتَهَيَّأَ لِحِسَابِ النَّاقِدِ البَصِيرِ، قَبْلَ فَوَاتِ القَدَرِ وَإِعْرَاضِ النَّصِيرِ.

كَانَ سَيِّدُنَا الحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: عَجِبْتُ لِأَقْوَامٍ أُمِرُوا بِالزَّادِ، وَنُودِيَ فِيهِمْ بِالرَّحِيلِ، وَجَلَسَ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ وَهُمْ يَلْعَبُونَ.

وَكَانَ يَقُولُ: يَابْنَ آدَمَ، السِّكِّينُ تُشْحَذُ، وَالتَّنُورُ يُسْجَرُ، وَالكَبْشُ يُعْتَلَفُ.

وَيَقُولُ أَبُو حَازِمٍ: إِنَّ بِضَاعَةَ الْآخِرَةِ كَاسِدَةٌ، فَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا فِي أَوَانِ كَسَادِهَا، فَإِنَّهُ لَوْ قَدْ جَاءَ يَوْمُ نَفَاقِهَا لَمْ تَصِلْ مِنْهَا لَا إِلَى قَلِيلٍ وَلَا إِلَى كَثِيرٍ.

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ يَقُولُ: لَوْ سَقَطَ مِنْ أَحَدِهِمْ دِرْهَمٌ لَظَلَّ يَوْمَهُ يَقُولُ: إِنَّا للهِ، ذَهَبَ دِرْهَمِي، وَعُمُرُهُ يَذْهَبُ وَلَا يَقُولُ: ذَهَبَ عُمُرِي، وَكَانَ للهِ أَقْوَامٌ يُبَادِرُونَ الأَوْقَاتَ وَيَحْفَظُونَ السَّاعَاتِ وَيُلَازِمُونَهَا بِالطَّاعَاتِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ المَقْبُولِينَ عِنْدَهُ، وَأَنْ نَكُونَ مِنْ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 1/ شوال /1445هـ، الموافق: 10/ نيسان / 2024م