15ـ كلمة حفل المولد في جامع سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه بمدينة الباب1432هـ

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فاسمحوا لي أن أقدِّم لكم ولدي براء حفظه الله تعالى، وحفظ أبناءكم جميعاً، ليلقي عليكم كلمة بمناسبة هذه الذكرى العطرة، وإني أسأل الله تعالى أن يجعله من طلبة العلم الشريف، ومن خدام هذا الدين. آمين.

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

سيدي الوالد، سادتي العلماء، سادتي المنشدين، الإخوة الحضور: أحيِّيكم بتحيةِ أهلِ الجنة؛ السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاته.

أيها الحفلُ الكريم: يا منِ اجتمعتمْ في بيتٍ منْ بيوتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، تعبِّرونَ عنْ فرحِكمْ بسيدنا رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّمَ؛ اعلموا أيُّها الإخوةُ الكرامُ أنَّ الفرحَ بسيدنا رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّمَ هوَ تقديمهُ على أنفسِنا، وعلى كلِّ شيءٍ في هذهِ الحياةِ الدنيا، وذلكَ لقولِهِ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّم: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) رواه البخاري ومسلم.

وقدْ ترجمَ الصحابةُ رضيَ اللهُ عنهمْ هذا الحبَّ ترجمةً عمليَّةً من خلالِ حياتِهمْ مع سيدنا رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّم.

وردَ في سيرةِ ابنِ هشامٍ عنْ سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه قالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي دِينَارٍ، وَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأُحُدٍ، فَلَمّا نُعُوا لَها، قَالَتْ: فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟

أيها الإخوة الكرام: هل تعلمون لماذا قالت: (فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه وَسَلَّمَ؟)، ولم تقل: فما فُعِل برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟

هذا من الأدب الذي تربى عليه الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فلم تقل: فما فُعِل، بل قالت: فما فَعَل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فاعل، وليس بمفعول به، والله تعالى أعلم.

قَالَتْ: فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟

قَالُوا: خَيْراً يَا أُمّ فُلانٍ، هُوَ بِحَمْدِ اللهِ كَمَا تُحِبّينَ، قَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ؟ (اللهمَّ أكرمنا برؤيته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ولو مناماً).

قَالَ: فَأُشِيرَ لَهَا إلَيْهِ، حَتّى إذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ. تُرِيدُ صَغِيرَةً. يعني: مصيبةٌ صغيرةٌ.

أيها الأحبةُ الكرامُ: تعالَوا لنُعاهِدَ اللهَ عزَّ وجلَّ فنقدِّمَ أمرَ اللهِ تعالى وأمرَ رسولِهِ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ على أوامرِ أنفُسِنا الأمَّارةِ بالسوء، اللهمَّ وفِّقْنا لذلك. آمين.

أيها الإخوة الكرام: إني أتشرَّف وأفتخر بتقديم حبيب قلبي، وحبيب قلوبكم سيدي الوالد حفظه الله تعالى، وأنَّى لمثلي أن يقدِّم مثله، أقدِّمه إليكم ليشنِّف آذاننا، وينوِّر قلوبنا بكلماته المضيئة، فجزاه الله تعالى كلَّ خير.

وأرجوكم دعوة صالحة لي ولوالدي ولوالدتي رحمها الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة الحفل

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فإني أسأل الله تعالى أن يجعل ولدي براء قرَّة عين لوالدته التي كانت رحمها الله تعالى حريصة على أن تراه طالب علم، فرحم الله والدته وغفر لوالده، وحفظه وإخوته وأخواته وأصولكم وفروعكم من سائر الفتن.

أيها الإخوة الكرام: المقام لا يتَّسع لطول الحديث، أخرج ابن عساكر بسند جيد، كما روى الحافظ الزرقاني رحمه الله تعالى، أن سيدنا بلالاً رضي الله عنه لما نزل بداريا قرب دمشق خوفاً من الحرج في الأذان بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه، رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في المنام.

بداية أيها الإخوة: تعلمون أن سيدنا بلالاً رضي الله عنه هو مؤذن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد وفاة الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم طلب منه الصديق رضي الله عنه أن يؤذن له.

فسأله سيدنا بلال رضي الله عنه أن يُعفيه من ذلك لأنه لا يحتمله، وتذكر سيدنا بلال رضي الله عنه أن الصدِّيق هو الذي أعتقه، فقال بلال رضي الله عنه لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه: إن كنت أعتقاشتريتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله فخلِّني ومن أعتقتني له.

فقال الصديق رضي الله عنه: ما أعتقتك إلا لله.

فقال بلال رضي الله عنه: فإني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

قال: فذلك إليك. رواه الطبراني وغيره.

وفي زمن سيدنا عمر رضي الله عنه، أرادوا من سيدنا بلال رضي الله عنه الأذان، وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يجلُّ بلالاً إجلالاً عظيماً، وكان يقول رضي الله عنه: (أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا) يعني بلالاً رضي الله عنهم جميعاً. رواه البخاري.

اعتذر سيدنا بلال رضي الله عنه وخرج إلى بلاد الشام، وسكن داريا.

رأى سيدنا بلال رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في المنام وهو يقول: (ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني)؟

أيها الأحبة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يشتاق لأصحابه وأحبابه، جعلنا الله وإياكم من أحبابه وممن يشتاق إليهم.

فإذا كان الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يشتاق لأحبابه، أليس من الواجب علينا أن نشتاق إليه، وأن نقصد زيارته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟

يا من يملك الدينار والدرهم، وبوسعه أن يزور الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ما هو موقفك من الحبيب يوم القيامة؟

لما رأى سيدنا بلال هذه الرؤيا انتبه حزيناً خائفاً، فركب راحلته وقصد المدينة، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فجعل يبكي ويمرِّغ وجهه عليه.

فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما عليه، فجعل يضمُّهما ويقبِّلهما، فهما ريحانتا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، سبطا الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

ومن رأى الفرع فكأنما رأى الأصل، ومن أحبَّ الفرع فقد أحبَّ الأصل، اللهم لا تحرمنا محبة الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومحبة آل بيته الكرام رضي الله عنهم.

طلب سيدنا الحسن والحسين رضي الله عنهما من سيدنا بلال رضي الله عنه أن يؤذن الأذان الذي كان يؤذن به لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولا بدَّ من طاعة الأمر لسبطي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

فعلا سطح المسجد، ووقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما قال: الله أكبر الله أكبر، ارتجت المدينة، فلما قال: أشهد أن محمداً رسول الله خرج العواتق من خدورهن، فقالوا: أبعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فما رئي يوم أكثر باكياً ولا باكية بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من ذلك اليوم.

أيها الإخوة الكرام: المحبُّ الصادق متَّبع لا مبتدع، ومع الاتباع يكون الإخلاص، ومن تحقَّق بالاتباع والإخلاص كان مؤثراً بحاله وقاله، كما سمعنا من هذه القصة.

أيها الإخوة: يجب علينا أن نتساءل فيما بيننا وبين أنفسنا، لماذا لا نؤثر في غيرنا؟ لماذا لا يؤثر الزوج في زوجته، والوالد في ولده، والأستاذ في طلابه؟

الجواب على ذلك أيها الإخوة: هو عدم تطابق الأقوال مع الأفعال، وهذا ليس من شأن المؤمن الصادق، لأن الزوجة والولد والطالب يرون من السلوك ما يناقض الأقوال، فمن الطبيعي أن لا يؤثر الكلام فيهم.

أيها الأحبة: يا من يريد أن يكون مؤثراً تأثيراً صالحاً في أحبابه، ومن هو حريص على سلامتهم في الآخرة، تحقَّق بقوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.

لا بدَّ من الاتِّباع، والاتِّباع وحده لا يكفي، بل يجب أن يقترن بالإخلاص، حتى يؤثر تأثيراً إيجابياً في أتباعه وأحبابه.

بالاتباع مع الإخلاص يضمن الإنسان سعادة الدنيا، وحسن الختام بإذن الله عز وجل، فهذا سيدنا بلال رضي الله عنه المتبع المخلص ضمن لنفسه بإذن الله تعالى حسن الختام عندما قال عند سكرات الموت: (واطرباه غداً ألقى الأحبة محمداً وصحبه).

اللهمَّ أكرمنا بالاتباع مع الإخلاص. آمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

**     **     **